ثقة مستحقة ينالها السودان

03:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

السودان الآن ينتقل من الحرب والصراعات والانهيار الاقتصادي إلى حكم ديمقراطي، ويعود من العزلة إلى المجتمع الدولي.

حقق السودان قبل أيام إنجازاً بارزاً ومستحقاً باكتساب ثقة المجتمع الدولي، واجتذاب دعم مالي على درجة من الطموح من دول غربية وعربية، للتغلب على مشكلات الفقر والبطالة وضعف قدرة الحكومة على تمويل مشاريعها التنموية، وإعادة بناء هياكلها التنظيمية والإدارية. ففي مؤتمر استضافته ألمانيا الخميس الماضي في 25 يونيو / حزيران الجاري جرى تقديم تعهدات بمنح هذا البلد 1.8 مليار دولار لمواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة، والمعدلات المرتفعة للتضخم، وشح العملة الأجنبية، والتي تضاف إليها ديون تبلغ 60 مليار دولار. وقد انعقد المؤتمر برعاية الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وألمانيا، وتحت عنوان «مؤتمر شركاء السودان»، وقد جاء الدعم خصوصاً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا، إضافة إلى مساهمات سخية من الصندوق العربي للتنمية والبنك الدولي.

وقد شاعت في المؤتمر الذي شاركت فيه أكثر من أربعين منظمة ودولة أجواء التفاؤل مع الثقة بقدرة الحكومة الحالية برئاسة عبدالله حمدوك، وهو خبير اقتصادي وإداري في قيادة المرحلة الانتقالية، وذلك بعد الإطاحة بحكم الرئيس السابق عمر البشير في العام الماضي. وقد أبدى حمدوك رضى حكومته عن نتائج المؤتمر. وقال: إن أولويات حكومته تشمل تحقيق السلام الشامل والعادل ومعالجة الأزمة الاقتصادية والحكم الديمقراطي وسيادة القانون، واسترداد الأصول والأموال المنهوبة، وتعزيز حقوق المرأة. وأكد حمدوك أن السودان الآن ينتقل من الحرب والصراعات والانهيار الاقتصادي إلى حكم ديمقراطي، ويعود من العزلة إلى المجتمع الدولي. وكان حكم البشير قد فرض نطاقاً من العزلة على هذا البلد استمر لثلاثين عاماً، إضافة إلى الصراعات المسلحة الداخلية وتفشي الفساد، وهو ما وضع هذا البلد في المرتبة الثالثة بين أكثر الدول انتشاراً لهذه الآفة فيها.

وإذ يمثل هذا الدعم فرصة ثمينة للسودان للتغلب على أكثر مشكلاته إلحاحاً، وهي انتشار الفقر بنسبة قد تصل إلى أربعين في المئة، وذلك نتيجة تفشي الفساد وتضخم ميزانيات الأمن والدفاع، وضآلة النقد الأجنبي. فإنه يمثل في الوقت ذاته تحدياً إيجابياً بتطوير منظومة القوانين وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة عبر قروض ميسرة، وفتح الأبواب أمام الاستثمار في المشاريع الإنتاجية، بما ينعكس بشكل ملموس على تنشيط الاقتصاد وامتصاص البطالة، وتوفير السلع الأساسية، والسعي نحو تحقيق الأمن الغذائي والانتقال منه إلى تنشيط الصادرات الزراعية. وتحفيز السودانيين في الخارج على الاستثمار في وطنهم في مناخ آمن من المحفزات والضمانات القانونية. علماً أن الدعم الأولي الممنوح للسودان، يتطلب من أجل أن يؤتي ثماره في الداخل، رفع هذا البلد من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وكانت الولايات المتحدة قد وضعت السودان ضمن هذه الدول في عام 1993. وهو ما أدى إلى ما يشبه الشلل في أعمال المصارف، إضافة إلى إحجام المستثمرين الأجانب عن إقامة مشاريع في السودان. وقد تم رفع العقوبات في عام 2017 عن 157 كياناً اقتصادياً، ولكن المفاعيل الاقتصادية للعقوبات بشأن الإرهاب ظلت سارية، وهو ما يشكل إعاقة كبرى أمام البنوك ورجال الأعمال، وحتى أمام تحويلات السودانيين في الخارج إلى وطنهم.

ومن المنطقي أن يقترن الدعم المالي الأمريكي للسودان بالاستعداد لرفع اسم هذا البلد في أقرب الآجال من قائمة رعاة الإرهاب، فما دام الهدف هو إرساء التعاون الدولي مع هذا البلد، وتمكينه من الخروج من عزلته، وتشجيعه على إقامة نظام مدني يسوده القانون، ويباشر تنمية شاملة، فلا بد في ضوء ذلك من تحريره من تلك العقوبة التي تقيد حركته في الفضاء الإقليمي والدولي، وتضرب عجلة التصدير والاستيراد، فضلاً عن الأثر المعنوي السيئ على سمعة هذا البلد.

والمأمول الآن، ومع جدولة قريبة،التحقق زمنياً لتنفيذ التعهدات، أن تباشر الحكومة في إقامة ورشة لاستكشاف الوجوه المثلى للاستفادة من المنح، وإيصالها إلى الأطراف الاجتماعية المستحقة، وفقاً لما تم الاتفاق عليه في المؤتمر من عناوين هذا المنح ووجهتها، مع مواصلة العمل في الإصلاح الإداري، وما يتطلبه ذلك من رقابة وتطوير، ورفع دينامية المؤسسات وإنتاجيتها، وفق خطط عاجلة ووسطى. وأن يقترن ذلك على المستوى السياسي باحترام مقتضيات المرحلة الانتقالية وأمدها الزمني، بحيث تتهيأ كل الفرص لانتقال آمن وسلس نحو حكم مدني عصري يلبي طموحات السودانيين، وأشواقهم لتدارك ما فاتهم من فرص البناء والتنمية، وتطوير البنى التحتية والمرافق الحيوية، وعودة التواصل والتفاعل مع العالم الخارجي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"