قناع تركي زائف ومكشوف

05:30 صباحا
قراءة 3 دقائق
سليمان جودة

لا يمكن الفصل بين هذه الحركة التركية المتسللة على الساحة اللبنانية، وبين حركات تركية متسللة بالتوازي في أكثر من بلد عربي.

لا أكاد أصدق أن رجب طيب أردوغان يحاول التسلل إلى لبنان، وأنه يفعل ذلك عبر نافذة مُخادعة اسمها مساعدات طبية وغذائية يعرض تقديمها، مستغلاً الظرف الاقتصادي الصعب الذي يخيم على بيروت هذه الأيام! لا أكاد أصدق لولا أن الخبر منشور في صدر الصفحة الأولى من صحيفة «الشرق الأوسط»، صباح الأربعاء من الأسبوع الماضي.

وهناك شيئان آخران يعززان صحة الخبر، أولهما المسار المريب نفسه الذي يتبعه الرئيس التركي في الحركة حول بلاده، في محاولة منه لإحياء أحلام دولة عثمانية ماتت منذ سنين طويلة، وتجاوزها الزمن وعبر فوقها فيما تجاوز وتخطى.

والشيء الثاني هو أن الخبر المنشور يسرد تفاصيل تدعم صحته، ومنها على سبيل المثال، أن هذا التسلل التركي كان موضوعاً للنقاش في اجتماع مجلس الدفاع الأعلى اللبناني، الذي انعقد مؤخراً برئاسة الرئيس ميشال عون، ولكن موضوع النقاش بقي بعيداً عن التداول الإعلامي.

ومن بين التفاصيل كذلك، أن أردوغان عهد إلى الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، بمهمة توزيع المساعدات من خلال مكاتب استحدثتها في طرابلس وعكار وصيدا والبقاع، وأن الوكالة تقيم علاقات مباشرة مع ما يسمى قبائل الترك في الشمال اللبناني، وأنها لا تنشط في المناطق السنية فقط، وإنما تتمدد في أكثر من اتجاه شمالي البلاد بالذات.

هذه التفاصيل كلها تتجلى فيها انتهازية الرئيس التركي السياسية، كما لا تتجلى في أي تمدد آخر يمارسه في مناطق موزعة على اتساع الخريطة العربية. إنه يغطي المضمون السياسي الخالص في تسلله بقناع إنساني زائف ومكشوف.

فليس من المتخيل أن يكون قلب أردوغان قد لانَ إلى هذا الحد، الذي لا يستطيع معه أن ينام ليلته إلا بعد أن يطمئن على أن يد «تيكا» قد وصلت إلى كل محتاج في لبنان. ليس هذا متخيلاً؛ لأن المحتاجين المسلمين حول العالم بالملايين، ومع ذلك لم نسمع أن شيئاً من مساعداته الإنسانية قد وصل إليهم.

ولا يمكن الفصل بين هذه الحركة التركية المتسللة على الساحة اللبنانية، وبين حركات تركية متسللة بالتوازي في الصومال، وفي السودان على ساحل البحر الأحمر أيام عمر البشير، وفي قطر من خلال قاعدة عسكرية هناك، ثم في ليبيا من خلال اتفاقات أمنية وعسكرية جرى توقيعها مع حكومة الوفاق في العاصمة الليبية طرابلس، كما لا يمكن في الوقت ذاته، فصل هذا في مجمله عن الوجود التركي المخرب شمالي العراق تارة، وشمالي سوريا تارة أخرى.

والمعنى أن هذا الوجود في كل حالاته المشار إليها يستهدف خريطة عربية في مجملها، ولا يستهدف قطراً عربياً بمفرده هنا، ولا عاصمة عربية وحدها هناك.

وبالتالي الأمر بحاجة إلى موقف عربي موحد يقول إن ما يمارسه أردوغان مرصود ومرفوض، وإنه غير مقبول في كل عاصمة عربية. والموقف العربي الذي أفهمه في حده الأدنى، هو من نوع موقف مصر، عندما جرى اقتحام حدودها الشرقية مع قطاع غزة من جانب بعض المتطرفين قبل 25 يناير 2011.

وقتها قالت القاهرة على لسان وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط، إن مصر ستكسر قدم كل من يفكر في عبور الحدود مرة أخرى؛ ولأنها كانت تعي ما تقول فإن أحداً لم يعبر بعدها، هذا هو نوع الموقف العربي الموحد المطلوب مع أردوغان الذي لا يفهم سوى هذه اللغة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"