صوت من أجل السلام

00:49 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان، هو البابا السادس والستون بعد المئتين للكنيسة الكاثوليكية، وهو في الخامسة والثمانين من العمر، ولا بد أن نمسك الخشب ونحن نتحدث عن عدد سنوات حياته، ولا بد أن نتمنى له حياة مملوءة بكل ما يخفف من آلام هذا العالم.

وعلى الرغم من هذه السن المتقدمة فإن الرجل لا يجد مناسبة ترسخ للتعايش بين الناس في كل مكان، إلا ويبادر إلى حضورها بنفسه متحملاً مشاق السفر، وضارباً المثل للجميع على أن الإنسان لا بديل عن أن يكون إيجابياً في مجتمعه وفي عالمه الذي يعيش فيه.

ولا يزال هو صاحب المبادرة شبه الوحيدة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن صوت المدَافِع كان أقوى من صوته بكل أسف، فلم تتوقف الحرب التي انقضى عام كامل من عمرها في الرابع والعشرين من هذا الشهر، والتي لم تدع بيتاً في العالم إلا ووصلت بتداعياتها إليه.

ففي الرابع من مثل هذا الشهر في 2019 كان البابا ضيفاً في أبوظبي، وكان معه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وكان الهدف هو توقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي صارت أشهر وثيقة من نوعها، والتي لا تزال تطمح لأن تكون وثيقة حاكمة في حياة الناس، فمبادؤها لا ترغب في شيء سوى أن تسود قيم السلام بين الكافة، وأن تعلو قيم احترام الآخرين على ما عداها من قيم، وأن نؤمن جميعاً بأن المقاصد العليا للأديان هي مقاصد واحدة.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من السنة الماضية كان مع الإمام الأكبر في البحرين، وكان الرجلان يجددان حديث الوثيقة، ويدفعان في شرايينها المزيد من الدماء، وكان البابا يؤم قداساً حضره ما يزيد على ثلاثين ألفاً من المسيحيين في العاصمة البحرينية المنامة.

والذين رأوه يذهب في تلك الرحلة على كرسي متحرك، لا بد أنهم قد أكبروا فيه الذهاب، ولا بد أنهم قد رفعوا له شارة التحية في كل مكان.

أما مناسبة هذه السطور عن بابا الفاتيكان، فهي أنه استقبل وفداً شعبياً خليجياً منتصف الأسبوع المنقضي، وأنه راح على مسمع من أعضاء الوفد يجدّد الحديث عن مبادرته لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، فقال ما معناه إنه لا يجوز أن يقف المرء متفرّجاً على الحروب، وأن على كل محبي السلام في عالمنا ألا يقفوا متفرجين، وأن يكونوا بالمرصاد للذين يغذون نار الحرب بين الشعوب.

ومما كان يقوله سعد باشا زغلول، زعيم حزب الوفد المصري في مطلع القرن العشرين، أنه يعجبه الصدق في القول، والإخلاص في العمل، وأن تقوم المحبة بين الناس مقام القانون.

ولن تجد فرقاً كبيراً بين ما كان زعيم الوفد يدعو إليه في وقته، وبين ما دعا إليه البابا في لقائه مع الوفد الخليجي الزائر، على الرغم من أن قرناً كاملاً يفصل بين ما قيل في بدايات قرن مضى، وبين ما يقال هذه الأيام في العقد الثالث من هذا القرن، ولكن المعنى أن الداعين إلى المحبة بين الأمم يجب ألا ييأسوا، وألا يتوقفوا عن بث التفاؤل في نفوس الناس، وأن يواصلوا زراعة الأمل في كل الأوقات.

وإذا دلّت «وثيقة الأخوة الإنسانية» على شيء، فهذا الشيء هو أن زراعة الأمل طويلة الأمد بطبيعتها، ولكنها تأتي بحصادها وإن طال الزمن.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4bb6va9d

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"