سليمان جودة
لو كتب الله لبرنارد شو أن يعيش بيننا إلى اليوم، ولو كان قد سمع كلام أنطونيو غوتيريس، أمين عام منظمة الأمم المتحدة، ثم كلام مدير برنامج المنظمة الإنمائي، لكان قد ضحك ساخراً على طريقته التي اشتهر بها، ولسان حاله يقول: هذا ما قلته في منتصف القرن العشرين، ولكن أحداً لم ينصت لي ولم يسمع.
فما القصة؟.. كان غوتيريس قد ذهب يتحدث في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأمم المتحدة الخامس للدول الأقل نمواً، وكان قد قال في المؤتمر الذي انعقد في الدوحة من الخامس إلى التاسع من هذا الشهر، إن على الدول المتقدمة الوفاء بتعهداتها بجمع مئة مليار دولار لصالح الدول الفقيرة.
وكان قد قال أيضاً، إن الدول الفقيرة تنتج 4 % فقط من الغازات المسببة لتغيرات المناخ، ولكنها تدفع في المقابل ثمن تغيرات لا تتسبب فيها، ولا في تداعياتها بالتالي على صحة الإنسان، والحيوان، وسلامة النبات.
وما يقوله غوتيريس في هذا الشأن، لا بد أن يظل يقال من هنا إلى يوم انعقاد مؤتمر المناخ المقبل على أرض الإمارات في نوفمبر/تشرين الثاني القادم؛ لأنه لا بديل عن إنجاح هذا المؤتمر، ولا بديل عن أن تفي الدول المتقدمة ذات الصناعات الكبرى بتعهداتها، التي كانت قد تعهّدت بها في دورة المؤتمر المنعقدة في غلاسكو البريطانية في نوفمبر قبل الماضي، ثم في دورته الماضية التي انعقدت في شرم الشيخ في نوفمبر الماضي.
لا بديل عن ذلك؛ لأن هذه الدول المتقدمة، التي تحاول التملص من التعهدات التي قطعتها على نفسها، هي ذاتها الدول التي تسبّبت بشكل أساسي وتتسبّب في الغازات المؤدية إلى تغيرات المناخ غير المسبوقة.
إن إفريقيا على سبيل المثال هي أقل القارات إنتاجاً للغازات المتسببة في تغيرات المناخ الحادة، ومع ذلك، فالقارة السمراء تتحمل من عواقب التغيرات ما لا تتحمله قارة سواها في العالم.
وليست مؤتمرات المناخ المتتالية، سوى محاولة عالمية لتوزيع تكلفة تغيرات المناخ بطريقة عادلة، وبطريقة تضع المتسبب فيها عالمياً أمام مسؤوليته تجاه البشر.
ولم يكن غوتيريس هو وحده الذي حمل لواء هذه الدعوة، ولكن أخيم شتاينر، مدير البرنامج الإنمائي التابع للمنظمة، حملها بالدرجة نفسها، عندما أطلق تحذيراً من أن دولاً فقيرة كثيرة قد تجد صعوبة في دفع ديونها للدول المتقدمة، وأن 20 % من إيرادات 25 دولة من بين 52 دولة من الدول الفقيرة تذهب إلى سداد فوائد أقساط الديون وحدها.
وما نفهمه من هذا كله، أن ما يحدث على مستوى العالم من خلل في ميدان المناخ، يتكرر بصورة مختلفة على مستوى الاقتصاد، وأن ما صدر عن غوتيريس، ثم عن مدير برنامجه الإنمائي، هو صيحة من صيحات التحذير التي لا بد أن تصادف صداها بين المسؤولين عن شؤون الناس.
كان برنارد شو يشتهر بسخريته العالية، وكان يدرك أن السخرية طريقة لاذعة للتعبير عما يتعين التعبير عنه في عالمنا الذي نعيشه، وأن ميزة هذه الطريقة أنها تبقى راسخة في الأذهان.
وقد جاء عليه يوم تأمل فيه أحوال العالم من حوله، فتحسس صلعته ومعها لحيته الكثيفة، ثم قال: «ما بين صلعتي ولحيتي، كما بين شمال العالم وجنوبه: غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع».
وما قاله الرجل قبل رحيله منتصف القرن الماضي، لا يزال يصلح للتعبير عما بين شمال العالم وجنوبه من فروق وفجوات، ولكنها فروق وفجوات في قضية مختلفة هذه المرة هي قضية المناخ، التي تواجه غزارة في إنتاج ملوثات الفضاء في شمال العالم، ثم تواجه عدم عدالة في توزيع تكلفة رفع آثار التلويث بين الدول.
ولا يزال العالم في حاجة إلى أن يتحسس صلعته المناخية، ثم لحيته، لعله يصلح ما بينهما من الخلل والفروق غير العادلة.