خيار السلام بديلاً للحرب

04:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. ناجى صادق شراب

المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي يقول: «الحرب سرطان الحضارات». الحرب تصاحبها ثقافة الكراهية والصراع وعدم القبول، والصراع يمتد لصراع الأديان بدلاً من حوار الأديان، ولصراع الحضارات بدلاً من حوار الحضارات، ولصراع الفناء بدلاً من حوار البقاء. والبديل لهذا الصراع الممتد والمركّب هو السلام، وثقافة السلام. وهنا التذكير بالحروب البشرية وأكبرها الحربان الكونيتان الأولى، والثانية، اللتان راح ضحيتهما ملايين الأبرياء وأنفقت مئات المليارات من الدولارات، والنتيجة صفريه لكل المتحاربين.
الدين الإسلامي يدعو لحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، والأصل في الهدف من الحياه الإعمار والتعمير، وليس القتل. ومن هنا فالحروب هي الاستثناء في العلاقات البشرية، لكن السلوك القومي المفعم بالكراهية والحقد القومي جعل من الحرب قاعدة بشرية، والأساس في العلاقات.
أما ثقافة السلام فهي ثقافة للسلام مع الله أولاً، وثانياً مع خلقه. فالأديان، أصلاً، لا تدعو للحروب، بل تدعو للحوار. وهذا يعنى أنه لا تجوز الحروب تحت اسم الدين، كما كان سابقا في الحروب الصليبية، ولا يجوز لأي فصيل، أو حركة دينية أن تبرر حروبها، وقتلها تحت اسم الدين. فالدين قدوة، وسلوك، ودعوة للخير، وليس التعصب. ولعل أخطر الحروب اليوم هي الحروب الدينية. والمنطقة العربية هي الأكثر تعرضاً للحروب الداخلية، والإقليمية.
وهنا أركز على الصراع العربي الإسرائيلي، وفي قلبه فلسطين. فمنذ نشأة إسرائيل عام 1948 والمنطقة حكمهتا الحرب: أربع حروب كبيرة 48، 56، 67، 73، أي بمعدل أقل من عشر سنوات هناك حرب. إضافة إلى الحروب الأخرى بين لبنان وإسرائيل، وثلاث حروب على غزة في فترة زمنية قياسية من 2007 إلى 20014، أي في أقل من عشر سنوات ثلاث حروب دمرت الحياة في القطاع، وهي المنطقة الأكثر كثافة، وفقراً، وبطالة، في العالم، وما زالت تعاني تداعيات هذه الحروب، وستظل تعاني لعقود طويلة. والنتيجة السريعة لهذه الحروب تنامي ثقافة الكراهية، والحقد، والثأر، والقتل، وهي ثقافة نقيضة لثقافة الحياة والسلام. والبديل الحتمي للحرب ثقافة السلام، أو ما يطلق عليها الكاتب اللبناني حسن عجمي «الإنسانونية». وفي كتابه «الفلسفه الإنسانونية» يرى أن الإنسانونية هي الحل الوحيد لتفادي التصادم، والصراع. لأن كل الأديان والثقافات تستمد وجودها من كينونة واحدة هي الإنسانية. إنسان بلا سلام أشبه بإنسان ليس إنساناً، بل شبه إنسان. فالإيمان بوحدة الثقافات والمعارف يزيل الخلاف والصراع. هذه المقاربة هي الوحيدة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولها ترجمات كثيره منها التخلص من العنصرية، والاستعلاء القومي، والتمايز بين من هو يهودي، ومن هو فلسطيني، ومن هو عربي، ومنح الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية والسياسية.
وحيث إن خيار الحرب قد فشل في تحقيق الأهداف منها، سواء بالنسبة لإسرائيل، والدول العربية، والفلسطينيين، فلا إسرائيل قد حققت أمنها، بل قد ازدادت المخاطر، والتهديدات، والتحديات التي تواجهها، ولا الدول العربية حققت أهدافها في التنمية، وتعاني اليوم مشاكل كثيرة، اجتماعية واقتصادية، وهدر مليارات الدولارات التي لو خصصت لبناء بنية اقتصادية واجتماعية قوية لكانت اليوم قادرة على محاربة الفقر، والبطالة، ولا الشعب الفلسطيني حقق أهدافه بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، بل تسببت الحرب بهدر كل الأموال التي كان من المفترض استثمارها في بناء مؤسسات الدولة، والحكم الرشيد.
وكما يقال إن الحرب امتداد للسياسة، فالبديل هو الذهاب للخيارات السياسية، والذهاب للسلام ليس خياراً عربياً فقط، بل يفرضه واقع القوة، وتحولاتها في المنطقة، وتقديم خيار السلام معناه انتزاع كل المبررات من خيار الحرب، وتهيئة البيئة السياسية للسلام، وأول هذه المتطلبات العمل على تسوية القضية الفلسطينية، وانتزاع مبررات الخوف والحرب لدى إسرائيل. ويبقى الدور المباشر على الطرف الفلسطيني في كيفية التعامل مع هذه العملية، بما يحقق أهدافه الوطنية، إذا ما علمنا أن الدول العربية لم تسقط القضية الفلسطينية من أولوياتها، بل بدلاً من أن تكون الأولوية اليوم لخيار الحرب تكون الأولوية لخيار السلام. هذا هو التحدي والمقاربة أمام الفلسطينيين لتكتمل بهم، وبالدولة الفلسطينية عملية السلام الشاملة التي سيستفيد منها الجميع. وفي هذا السياق يمكن أن نفهم معاهدة السلام بين الإمارات، وإسرائيل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"