مصر التي في خاطرنا

03:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

مصر التي في خاطرنا نراها تعيد بناء نفسها أمامنا خطوة خطوة، وكلما أنجزت خطوة كان رد الفعل دعوى جديدة للتظاهر.

لو فكرت في إحصاء عدد مرات الدعوة للتظاهر في مصر بعد فض اعتصام رابعة عام ٢٠١٣، فقد تتوه لتعددها، ولا قيمتهان رغم ما صاحبها من لغط بدأ صاخباً في البدايات، وبالتدريج أصبح معدوم الصوت والصورة والتأثير؛ ورغم ذلك، فإن زبانية «الإخوان» الذين اتخذوا من الدعوات للتظاهر مهنة ومصدراً للاسترزاق، لم ييأسوا، وما زالوا يطلقون دعوة من حين لآخر، لا يسمعها أحد غيرهم، سوى هؤلاء الإعلاميين الذين لو قادك قدرك أو فضولك لمشاهدة القنوات التي يعملون فيها، فستشعر بأن مصر مقبلة على ثورة، وأن نظامها مهدد من غضب الثوار. وسرعان ما تكتشف أن هذا الإحساس وهمي، وأن ما تشاهده اليوم لا يختلف صوتاً، وصورة، عما شاهدته منذ عام ٢٠١٣، وحتى اليوم.

الأشخاص نفسهم يحتلون الشاشات نفسها، ويستضيفون المنظرين نفسهم، ويعرضون المشاهد نفسها، بلا كلل، ولا ملل، رغم يقينهم أن لا أحد يسمعهم، ولا يشاهدهم، ومن يفعل فقد يكون هدفه الأوحد اتخاذهم مادة للسخرية والتنكيت على مواقع التواصل.

ولو سألت نفسك لماذا لا يملّ هؤلاء الناس بعد أن انفض الناس من حولهم؟ ستأتيك الإجابة وحدها من دون جهد، فهم مرتزقة، وهذا الكلام يقبضون عليه مرتبات شهرية، شأنهم في ذلك شأن المرتزقة الذين يضعون الخطط الفاشلة، والمرتزقة الذين يطلقون الدعوات، والذين يعملون ضمن الكتائب الإلكترونية التي لقيت نفس مصير من يتصدرون الشاشات نفسه، وأيضاً لا يختلفون عن المرتزقة المنظّرون في البرامج والصحف التي يصدرونها، وكل ما فيها أصبح كلاماً أجوف يسمع صداه فقط من يطلقه، وكل هؤلاء لا يختلفون عن المرتزقة الذين يحاربون في سوريا، أو الذين تم نقلهم إلى ليبيا.

ولو تأملت ستجد أنك امام شبكة من المرتزقة يمولهم ويديرهم ويحركهم مثل الشطرنج، هؤلاء الساعون لتخريب المنطقة.

آخر تظاهرة ل«إسقاط النظام في مصر» كان موعدها اليوم، لتضاف إلى قائمة الفشل الإخواني التركي القطري، وهو الفشل الذي لا يريدون الاعتراف به، رغم أن العالم كله أقر به، وقد تكون هذه «المقاوحة» لتيقنهم ان الاعتراف يعني نهايتهم، وهي نهاية قادمة، وإن كانت مؤجلة لأمد قريب، ولن يكون بعيداً أبداً.

من حقك أن تسأل نفسك.. لماذا مصر بالذات، ولماذا لا يدعون لهذا الكم من التظاهرات في غيرها، ولماذا جعلت كل هذه القنوات قضيتها الأساسية هي مصر، وحلفاؤها من المعتدلين العرب، ولعله ليس خافياً على أحد أن بعض القنوات أنشئ خصيصاً للهجوم على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وجيش مصر العظيم قاهر «الإخوان»، ومبدّد أحلامهم وفاضح أطماعهم.

الإجابة بمنتهى البساطة نعرفها جميعاً، مثلما يعرفونها بالضبط، ولكنها بالنسبة إلينا لها مغزى يختلف تماماً عن مغزاها بالنسبة إليهم، فلا خلاف على أن مصر هي عمود الخيمة العربية الذي يحملها، وسقوطه هو سقوط للخيمة كلها، وهذا التشبيه البليغ أستعيره من أقوال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولأن الرئيس المصري، وفريقه الحكومي، استطاعوا أن يحققوا لمصر خلال ست سنوات ما لم يتحقق خلال عقود، والصورة أصبحت تتحدث عن نفسها، والانجازات لمسها الجميع، ولن يستمع أحد لأي تشكيك فيها، وفي المقابل نكرر أن المشككين لن يصمتوا إلا الصمت الأبدي.

مصر التي في خاطرنا نراها تعيد بناء نفسها أمامنا خطوة، خطوة، وكلما أنجزت خطوة كان رد الفعل دعوى جديدة للتظاهر وإسقاط النظام، والكل يعلم أنها دعوى جديدة للفشل، ومصر التي في خاطرنا الخالية من تجار الدين والدم، ونراها اليوم أمامنا، ولعل أكثر ما يزعج هؤلاء المتربصين بها، أن السيسي سيذكر له التاريخ أنه قطع النفس الإخواني بلا عودة، بعد أن صالوا وجالوا في مصر منذ ١٩٢٨ حتى وصلوا إلى قمة السلطة، وأصبح لهم وجود في دول مختلفة عربية، وغير عربية، ولهم تنظيم دولي كما الماسونية، فإذا بهذا الرجل لا يترك أمامهم أي فرصة للعودة للتوغل في الشخصية المصرية، ولعلهم أكثر إدراكًا أن نهايتهم في مصر تعني نهايتهم عالمياً.

يزعجهم الجيش المصري الذي يحارب الإرهاب، بيد ويشارك في إعادة بناء مصر الجديدة بيد، والذي احتل المركز التاسع بين أقوى الجيوش عالمياً، والأقوى على الإطلاق في شرق المتوسط.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"