السراج ينسحب وحفتر ينتصر

03:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
كمال بالهادي

المشهد بات شديد الوضوح. المشروع الوطني ينتصر بخيار السلام، والمشروع الإخواني يثبت تبعيّته وولاءه لإسطنبول

كنّا قد كتبنا في هذا الصفحة منذ أسابيع قليلة، مقالاً بعنوان «أيّام السرّاج المعدودة»، وأشرنا إلى أنّ قواعد اللعبة في ليبيا تغيّرت، في اتّجاه الصراع بين خيارين اثنين لا يحتاجان إلى خيار المنطقة الرمادية التي يقف فيها السراج. والخياران هما الخيار الوطني الليبي الخالص، في مقابل خيار تيّار الإخوان العالمي الذي يعزّز التّبعية للمحور القطري التركي.

وقد أثبتت الأيّام صحّة ما كتبناه، فقد أعلن السراج عن استقالته، أو أجبر على الاستقالة، في بيان أصدره منذ أيام قليلة، وبعد المحاولة الانقلابيّة التي قادها ضدّه وزير الداخلية فتحي باشاغا، من خلال انتفاضة الشارع في طرابلس، المدعوم بقوّة من إسطنبول، والراغب في قيادة الصراع ضد الشرق الليبي، بدعم من تركيا. بالرغم من أن السراج قد عمل كلّ ما في وسعه من أجل «التّمكين» التركي في ليبيا وفرض سياسة الأمر الواقع على الليبيين. فالسراج قد وقع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية وفق ما يخدم مصالح تركيا لا ليبيا، كما مكّنها من أكبر القواعد العسكرية اللّيبية وهي قاعدة الوطية لتكون رأس الحربة في مشروع النفوذ التركي المستقبلي. ومكّنها من اتفاقيات لإدارة الحدود والجمارك والطاقة، فضلاً عن اتفاقيات رهنت البنك المركزي الليبي لمواقع القرار في إسطنبول. ورغم كلّ ذلك فمرحلته انتهت، لأنّ الحاكمين الفعليين لطرابلس، يرون أنّه لم يعد هناك حاجة للحكم من وراء الستار، فالمعركة باتت تتطلب أن يأخذوا بزمام الأمور، وأن يعلنوا احتلالهم المباشر لليبيا. وملف النفط الأخير خير دليل. وقد كانت «انتفاضة» الشارع في طرابلس، رسالة بليغة للسراج، فإمّا أن تخرج، وإمّا أن يسحلك الشارع كما سحل القذافي في نوفمبر من العام 2011. و يبدو أنّ السراج وصل إلى تلك المقولة التي قالها عبد الناصر منذ زمن «الإخوان ملهمش أمان». فسارع بإنقاذ نفسه بكلمات رتيبة، تضع المشكلة «في أطراف» وكأنّه لم يكن جزءاً من المشكلة طيلة سنوات عديدة.

لكن خطاب إعلان الاستقالة، حمل تصريحاً لافتاً، حول ما سماها «الأطراف الساعية للحرب والرافضة للسلام». وإذا اعتبرنا أنّ موقفه من الشرق ليس محايداً ولا موضوعياً، بأنه خصمها، فحديثه عن الأطراف يتّسع ليشمل جماعته في طرابلس، لأنّ الأمر لو اقتصر على جماعة الشرق، لقال بصراحة إن حفتر أو عقيلة صالح أو الشرق عموماً وهو طرف واحد لا يريد المصالحة وإيقاف الحرب. فقوله ينطبق على قوى طرابلس أكثر من قوى الشرق. واتفاق النفط الأخير يكشف من هي القوى التي تريد السلام ومن هي القوى التي تريد الحرب.

القيادة العامة للجيش الليبي أعلنت إعادة تصدير النفط وفق شروط تسمح لكلّ الليبيين بالاستفادة من عائداته، وتضمّن الاتفاق توحيد سعر بيع العملة للمواطنين، للحدّ من التضخم غير المسبوق. ولكن الذين رفضوا هذا الاتفاق هم الشق المتطرّف في العاصمة طرابلس، وعلى رأسهم جماعة الإخوان. فقد وصف القيادي في مدينة مصراتة محمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين اتفاق إعادة تصدير النفط بين القيادة العامّة للقوّات المسلّحة وعضو المجلس الرئاسي عن مدينة مصراتة أحمد معيتيق بالمشبوه.

كما رفعت جماعة الإخوان «الفيتو» في وجه كل من يريد تغيير الاتفاقيات الدولية، التي خلّفها السراج، حيث رأى مسؤول إخواني آخر هو فرج العماري أنّ السراج سيترك تركة ثقيلة لمن سيخلفه، وليس فراغاً لا يستطيع أحد سدّه وتعويضه كما يردّدُ البعض، فهناك العديد من الشخصيات القادرة على إدارة شؤون البلاد، واستبعد المساس بالاتفاقيات الدولية في الفترة التمهيدية التي تسبق الانتخابات التشريعية والبرلمانية التي من المنتظر أن يتم إقرارها بمفاوضات الحلّ السياسي الشامل، في إشارة منه لاتفاقيات الوفاق الموقعة مع تركيا وغيرها بطرق غير شرعية وبدون موافقة البرلمان المنتخب عليها.

المشهد إذن بات شديد الوضوح، المشروع الوطني ينتصر بخيار السلام، والمشروع الإخواني يثبت تبعيّته وولاءه لإسطنبول.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"