التعليم الحكومي يتألق و«الخاص» يعاني هجرة الطلبة

تنقلات المتعلمين ترجّح كفة مدارس «التربية» في أيام «كورونا»
03:33 صباحا
قراءة 6 دقائق
تحقيق: محمد إبراهيم

تحقيق- على غير العادة، تأخذنا بوصلة تنقلات الطلبة العام الدراسي الجاري 2020-2021، الذي انطلق في ظل استمرار أزمة كورونا «كوفيد 19»، إلى إقبال كبير على المدارس الحكومية، يقابله تراجع في المدارس الخاصة، بمختلف مناهجها.
ويجسد المشهد هذا العام هجرة داخلية جديدة للطلبة، من «المدارس الخاصة إلى الحكومية»، في جميع إمارات الدولة، إذ أكد أولياء أمور أن التعليم الحكومي يعد الأفضل في الوقت الراهن، لقدرته على تطبيق أنماط متعددة للتعلم، فيما افتقر التعليم الخاص لعنصر التميز خلال الجائحة، فضلاً عن تراجع خدماته وارتفاع تكلفته، وتواضع تقييماته التي لا تعبر عن المستوى الحقيقي للمخرجات.
مديرو مدارس حكومية أكدوا زيادة عدد طلبات تنقلات الطلبة من المدارس الخاصة إلى الحكومية هذا العام، إذ إن التعليم الحكومي تألق في جائحة كورونا، من حيث جاهزية المدارس والتزام الهيئات بأنواعها، ما انعكس إيجابياً على جودة المخرجات، وعدم وجود إشكاليات تعوق استمرارية عملية التعليم والتعلم.
في المقابل، نفى مديرو مدارس خاصة بمختلف المناهج، فكرة نفور أولياء أمور، وطلبة، من التعليم الخاص، أو أن المدارس الخاصة باتت بيئة طاردة كما يعتقد البعض، معتبرين أن حركة التنقلات «اعتيادية»، ونسبها «مقبولة» ولا تشكل ظاهرة تستحق المناقشة.
ويرى خبراء أن أسباب الهجرة تكمن في قدرة مدارس «التربية» على تطبيق أنماط متعددة للتعلم، لاسيما عقب نجاحها في منظومة التعلم عن بعد، التي رافقها جودة في مخرجات العام الماضي، والأهم أنه لا يشكل أي أعباء جديدة في النفقات على أولياء الأمور.
«الخليج» تناقش مع الميدان التربوي، بمختلف فئاته، حقيقة هجرة الطلبة من المدارس الخاصة إلى الحكومية، والأسباب وراء تغير وجهة أولياء الأمور، ودور المدارس الخاصة في سد الفجوة التي بدأت تتسع، وجسدتها حركة التنقلات النشطة للمتعلمين من «الخاص إلى الحكومي» العام الجاري.


حزمة أسباب


البداية كانت مع عدد من أولياء الأمور الذين رصدوا حزمة أسباب وراء تغير وجهتهم من التعليم الخاص إلى «الحكومي»، إذ أكد إيهاب زيادة، وعبد الرحمن مراد، ومنى الأحمدي، وسها محيي الدين، ومروة عبدالله، وخيرية عبدالله حميد، أن المدارس الحكومية تقدم تعليماً جيداً للطلبة، وأثبتت قدرتها خلال الجائحة على تطبيق سيناريوت متعددة في عملية التعليم، والتعلم، فضلاً عن توفير الأدوات والمنصات الذكية والبرامج والكوادر، من دون أي معاناة للطلبة وأولياء الأمور.
وقالوا إن التعليم الخاص بدد طاقات أولياء الأمور، وأرهق قدراتهم بأعباء متجددة تفرضها المدارس مع بداية، وخلال العام الدراسي، لاسيما في النفقات ورسوم الدراسة التي تعبر عن «مغالاة» لا تساوي حجم الخدمات، التي تراجعت بشكل ملحوظ في ظل الجائحة، فضلاً عن إجبار أولياء الأمور على شراء أجهزة «الآيباد»، وتسديد رسوم لخدمات وأنشطة لا وجود لها أساساً.


تعليم عالي الجودة


وفي المقابل، يوفر التعليم الحكومي جميع الخدمات التي تصب في مصلحة الطالب، وتسهم في تقديم تعليم عالي الجودة، فضلاً عن المختبرات المطورة، والأدوات والمنصات الذكية، والكوادر المؤهلة، والإنترنت، من دون أن تفرض فلسا واحداً زيادة على الرسوم المعتمدة، على عكس المدارس الخاصة التي تغالي في الرسوم، وتبالغ في الطلبات، موضحين أن الجائحة كشفت حقيقة التعليم الخاص الذي فشل في تطبيق التعلم عن، بعد مقارنة بالحكومي.
وأفادوا بأن أبناءهم لم يشعروا بالاستقرار، نظراً لموجة إنهاء خدمات المعلمين التي اجتاحت المدارس الخاصة منذ بداية الجائحة، واعتماد البعض منها على أعضاء الهيئة الإدارية في تعليم الطلبة، فأصبح ولي الأمر غير قادر على معرفة من يدرّس ابنه من خلف الأجهزة الذكية، لاسيما وأن الكثير من الطلبة يعانون تراجعاً في مستوياتهم العلمية.


أكبر عدد


تواصلت «الخليج» هاتفياً مع عدد من مديري المدارس الحكومية «فضلوا عدم ذكر أسمائهم»، إذ أكدوا أن العام الدراسي الجاري سجل أكبر عدد في طلبات انتقال الطلبة في مختلف مراحل التعليم من المدارس الخاصة إلى الحكومية، حيث تجاوزت الطلبات نسبة ال20% التي أقرتها الوزارة للطلبة من غير المواطنين في المدارس الحكومية، تقابلها تحويلات كثيرة للطلبة المواطنين في مختلف مراحل التعليم، لدرجة أن الفصول كاملة العدد في معظم المراحل.
وحول أسباب الإقبال المشهود في انتقال الطلبة من «الخاصة» إلى الحكومية، أفادوا بأن جاهزية المدارس الحكومية لعبت دوراً كبيراً في جذب أولياء الأمور وتغير رغباتهم التي كانت تركز على المدارس الخاصة، بمختلف مناهجها، فضلاً عن النتائج المبهرة للطلبة التي تحققت في التعليم الحكومي من خلال التعلم عن بعد، والإمكانات المتاحة التي تفوق تجهيزات مدارس خاصة كثيرة.


تراجع التسجيل


في المقابل التقينا عدداً من مديري المدارس الخاصة، إذ أكد كل من الدكتور فارس جبور، وخلود فهمي، وميثاء علي، ورانيا السيد، ومها سالم، وإبراهيم صبحي، أن هناك تراجعاً في التسجيل العام الجاري، وهناك أيضاً تنقلات للطلبة إلى المدارس الحكومية، أو خارج الدولة، معتبرين أنها نتيجة طبيعية للظروف الراهنة، واستمرار الجائحة.
وقالوا إن التنقلات لا تشكل ظاهرة تستحق النقاش، لاسيما أن الأعداد اعتيادية ومشهودة كل عام دراسي جديد، وهذا يعود إلى رغبات أولياء الأمور، وحساباتهم الحياتية، مؤكدين أن التعليم الخاص سيظل محافظاً على قدرته على كسب ثقة أولياء الأمور، والطلبة، مستبعدين فكرة أنه بات بيئة طاردة وغير قادرة على المنافسة.


حقيقة ما يحدث


وفي وقفة معه، شرح الخبير التربوي الدكتور وافي الحاج ل«الخليج»، حقيقة ما يحدث في الميدان، وما يصاحبه من تغيرات في رغبات أولياء الأمور، وتحويل وجهتهم نحو التعليم الحكومي لأبنائهم، إذ أكد أن التعليم الحكومي تألق في ظل الجائحة، والمدارس الحكومية أثبتت قدرتها على تطبيق أنواع متعددة للتعليم، فضلاً عن الجاهزية وجودة إدارة المنظومة التعليمية بحكمة واقتدار، وتقريباً غياب تام للإشكالية المعتادة في العملية التعليمية.
وحول المدارس الخاصة، أكد أن السيناريوهات تعددت، ولكن آليات التطبيق كانت متواضعة، وعلى الرغم من جاهزية بعض المدارس، إلا أنها استغلت جاهزيتها لتحقق المزيد من الأرباح من جيوب أولياء الأمور، الذين اعتبروها استغلالاً للظروف.
وقال إن طلبات المدارس غير منطقية، أرهقت مختلف الأسر في ظل الظروف الراهنة، والأهم أن هناك تراجعاً واضحاً في المستويات العلمية للطلبة، نتيجة استغناء بعض المدارس عن المعلمين ذوي الخبرة والكفاءة، والاعتماد معلمين متدنّي المستوى، وقليلي الخبرة، والبعض استعان بخبرات الهيئات الإدارية في تدريس الطلبة بهدف الربح، متوقعاً زيادة محيط هجرة الطلبة من المدارس الخاصة إلى الحكومية في المستقبل القريب.


نظرة على الميدان


في قراءة متئانية ل«الخليج» حول المشهد في الميدان، تبين أن وزارة التربية والتعليم، نجحت في بناء منظومة التعليم عن بعد بشكل متكامل، وتعاملت بجدية مع مفاهيم التعلم الذكي والذاتي، وركزت على طرح سيناريوهات متعددة للتعلم والمحافظة على استمرارية التعليم، من دون أن تؤثر الجائحة في العملية التعليمية، أو المخرجات، فهناك الفصول المجهزة، والأجهزة للطلبة، والكوادر المؤهلة وتدريبها باستمرار على مدار العام، فضلاً عن أكثر من 20 منصة ذكية لتعليم الطلبة وتدريبهم في مختلف المواد.
ولم تفرض «التربية» أية رسوم إضافية للخدمات التعليمية المقدمة للطلبة، ووفرت الإنترنت لمدارسها، والمتعلمين، والمعلمين، وطرحت عدداً من البرامج والأنشطة عن بعد، لتجديد طاقات الطلبة، لتتسم العملية التعليمية بالمرونة والجاذبية، إضافة إلى جودة المخرجات المشهودة العام الدراسي المنصرف.


مياه راكدة


أما المدارس الخاصة، فمازال البعض منها يفتقر إلى الوسائل المتجددة للتعامل مع العملية التعليمية بكفاءة في ظل الجائحة، ولكن هذا لا يمنع أن هناك عدداً كبيراً من المدارس نجحت في التعامل بمهارة مع جميع السيناريوهات المعتمدة من قبل الجهات المسؤولة عن إدارة الأزمة، وركزت على توفير بيئة تعليمية جاذبة للطلبة.
والرسوم إشكالية ظلت كالمياه الراكدة من دون حراك على الرغم من تقليص الملايين من نفقات التشغيل لدى المدارس، وتراجع الخدمات بشكل واضح في ظل الجائحة، ما أثر سلباً في رغبات أولياء الأمور عند اختيار التعليم المناسب لأبنائهم، فالرسوم مبالغ فيها، ولا تساوي الخدمات المقدمة، ومستويات الطلبة في تراجع مستمر، بسبب الكم الهائل من قرارات إنهاء خدمات المعلمين ذوي الخبرة والكفاءة، الأمر الذي دفع الكثير من الأهلي لإعادة حساباتهم في تعليم أبنائهم، ليجدوا أن التعليم الحكومي هو الأفضل حالياً، والمستقبل القريب.


مرحلة تطويرية


انتقلت «وزارة التربية» بالتعليم إلى مرحلة تطويرية جديدة العام الدراسي الجاري، عندما أقرت التعليم الهجين الذي يجمع بين التعليم النظامي المباشر، والتعلم عن بعد.


تراجع التسجيل للنصف


علمت «الخليج»، أن مدارس خاصة فقدت أكثر من نصف طلابها العام الدراسي الجاري، بسبب التنقلات إلى المدارس الحكومية، وخارج الدولة، فهناك مدارس تراجع فيها التسجيل من 1200 إلى 600، وأخرى من 700 إلى 250 طالباً، وهناك أعداد كبيرة من الطلبة لم ينتظموا في الدراسة حتى الآن، ولم يحددوا نوعية تعليمهم: «هجين»، أو «عن بعد».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"