المفاوضات اللبنانية ــ الإسرائيلية

03:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. خليل حسين

تنطلق منتصف الشهر الحالي (أكتوبر/ تشرين الأول) مفاوضات لبنانية - إسرائيلية غير مباشرة، وسط لغط كبير بين اللبنانيين حول توقيتها وخلفياتها وأهدافها ونتائجها.

وبالمناسبة لا تعتبر المفاوضات بين الجانبين سابقة، فقد سبق وأجرى الطرفان مفاوضات غير مباشرة بدأت في أعقاب الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى في عام 1948 والتي انتهت بتوقيع اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية التي جرت في إطار الأمم المتحدة وبرعايتها وتحت الفصل السابع من ميثاقها.

وفي واقع الأمر، لم تغب الأمم المتحدة عن أي حدث للقاءات ثنائية عسكرية جرت بين الطرفين لمعالجة قضايا طارئة، ويعتبر مؤتمر مدريد للسلام الذي عُقد في عام 1991 برعاية أمريكية روسية علاوة على الأمم المتحدة، حدثاً ذات دلالات واضحة لجهة السلام العربي الإسرائيلي الذي كان لبنان جزءاً منه، ومتلازماً في مواقفه آنذاك مع الموقف السوري. لكن المسار اللبناني توقف بطبيعة الحال مع المسار السوري بعد اتفاق وادي عربة مع الأردن واتفاق أوسلو مع الفلسطينيين 1993.

إلا أن اجتياح إسرائيل للأراضي اللبنانية في عامي 1993 و1996 شكل مناسبة للتفاوض غير المباشر بين الطرفين وخاصة في عام 1996 وما تم التوصل إليه من قواعد اشتباك توجت ب«تفاهم نيسان» الذي رعته مبدئياً كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وتمكن الاتفاق من إرساء تفاهمات تتصل بحماية المدنيين، أي بمعنى آخر ما يتصل بالقانون الدولي الإنساني.

إلا أن سلسلة المفاوضات الأبرز والأصعب تلك التي جرت بعيد الانسحاب الإسرائيلي من الشريط الحدودي المحتل في25 مايو/ أيار عام 2000، والذي تمّ فيها ترسيم «الخط الأزرق» بين الطرفين وتوقفت المفاوضات عند الاختلاف حول لبنانية تلال كفر شوبا ومزارع شبعا، على قاعدة هل تتبع في الأساس إلى «الاندوف» أم «اليونيفيل» وبالتالي لمن تعود ملكية الأراضي هل للبنان أو سوريا. تتابعت المفاوضات لما بعد حرب عام 2006 على قاعدة متابعة تنفيذ تداعيات القرار الدولي 1701/2006. إضافة الى جملة من المفاوضات غير المباشرة التي قادتها الولايات المتحدة مع لبنان حول محاولة ترسيم الحدود البحرية، التي تعثرت في الكثير من محطاتها ربطاً ووصلاًً بمساحات مختلف عليها تقدر ب 850 كيلومترا مربعاً والتي تحتوي على كميات واعدة من الغاز والنفط.

إذاً، ثمة سلسلة من المفاوضات غير المباشرة تخللتها مفاوضات وحيدة مباشرة بعيد الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982 أدت إلى توقيع اتفاق 17 مايو/ أيار الذي ألغيَّ فيما بعد. وتنطلق المفاوضات المزمعة بهدف التوصل إلى إطار لترسيم الحدود البحرية وتلازمها مع ترسيم للحدود البرية، على أنها ستكون عبر مستوى عسكري وبرعاية الأمم المتحدة.

وبصرف النظر عن توقيتها وما يمكن أن تتوصل إليه لاحقاً من نتائج، ثمة وقائع ومعطيات دولية وإقليمية ولبنانية تصب في اتجاه تزخيم عمليات التفاوض ربطاً ووصلاً بالمكتشفات النفطية والغازية في شرق البحر الأبيض المتوسط، والذي بات مرتعاً لتنافس ونزاعات وصراعات كبرى على الموارد، كما يزيد من هذا الزخم أيضاً الوضع الاقتصادي والمالي الذي يمر به لبنان، وما يُعلق من آمال كبيرة على استخراج الموارد لإعادة إطفاء الدين العام والخروج من مآزقه والوضع الحرج الذي يرزح تحته.

في إطار القانون الدولي العام، تعتبر المفاوضات جزءاً رئيسياً من الوسائل الممكنة لحل النزاعات القانونية على الحدود أو الموارد، وبالتالي ما اختاره لبنان ربما يعتبر من بين الوسائل التي تتيح له مخرجاً مقبولاً لحل بعض أزماته التي باتت تهدد كيانه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، في وقت سبقت فيه إسرائيل بأشواط عمليات الاستكشاف والاستخراج والاستثمار، فهل سيتمكن لبنان من الوصول الى حيث تكمن مصالحه الاستراتيجية؟ في المبدأ إن قراءة دقيقة لطبيعة المفاوضات غير المباشرة وما أنتجت، تشي بقدرة لبنان على تجاوز الكثير من المصاعب والوصول إلى حيث يجب الوصول إليه، لاسيما وأن اتفاق الإطار قد استهلك للوصول إليه عشر سنوات من المفاوضات الشاقة غير المباشرة برعاية أمريكية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"