تموجات مشهد حزبي

01:55 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود الريماوي

 

ما فتئ الائتلاف القائم بين تكتل الليكود وتكتل «كاحول لافان» الذي تتشكل منه حكومة بنيامين نتياهو يتعرض للاهتزاز، ويكاد لا يمر يوم دون ظهور إشارات على ذلك، وإن لم تبرز إشارات، فإن النفور والتباعد هو ما يسم علاقة الطرفين اللذين عقدا ائتلافاً اضطرارياً أملته نتائج الانتخابات الأخيرة في مارس/آذار الماضي. فالطرفان يختلفان الآن حول إعداد الميزانية العامة وهل تكون لسنة واحدة إم لسنتين. 

وقد جرى تأجيل البت في هذه المسألة منذ أسابيع، غير أن نتنياهو يصر على خيار ميزانية لسنة واحدة، وهو ما يفسره الطرف الآخر بأنه محاولة للنكوص عن الاتفاق بالتناوب، حيث سيحل زعيم «كاحول لافان» بيني جانتس بعد عام ونصف العام من تاريخ تشكيل الحكومة، في منصب رئيس الوزراء، غير أن الليكود لا يريد تهيئة الأرضية لذلك، ومنافسوه يشككون في استعداده للتناوب وتسليم دفة الحكومة لجانتس، حين يحين الموعد.

وهناك إلى جانب ذلك خلافات حول التعامل مع المتظاهرين الذين ينشطون بصورة شبه يومية ضد نتنياهو على خلفية اتهامات بالفساد، واحتجاجاً على الطريقة التي تدار بها أزمة انتشار وباء كورونا، حيث يقول محتجون إن الإصابات في الدولة العبرية (أكثر من 300 ألف حتى كتابة هذه السطور) تزيد على عدد الإصابات في الصين. وتشمل التقييدات أمام الجمهور تقييد التظاهر، وهو ما يفتح الباب أمام اتهامات باستغلال أجواء الوباء لإسكات أصوات المحتجين. وقبل ذلك برزت اعتراضات على التتبع الإلكتروني للمشتبه بإصابتهم أو لمخالطي مصابين، وتمحورت الاعتراضات حول وضع الجمهور في دائرة التتبع الأمني وفق هذا الإجراء.

وبينما خفتت في الأسابيع الأخيرة، التكهنات بالذهاب إلى انتخابات رابعة، فإن هذه الاحتمالات عادت على ألسنة الزعماء الحزبيين في أوساط اليمين، وكذلك تكتل «كاحول لافان»، مع القناعة بألا مفر من التعايش المديد مع أزمة كورونا، وأن دولاً أخرى منها الولايات المتحدة، تستعد لإجراء انتخابات نيابية ورئاسية، علماً بأن صعود تحالف «يميننا» بزعامة نفتالي بينيت (48 عاماً) بات يشكل منافساً إضافياً لليكود حسب استطلاعات الرأي، إلى جانب تكتل كاحول لافان، مع فارق أن التحالف اليميني الصاعد يمثل أقصى اليمين الديني والحزبي والاستيطاني، وذلك أمام ازدهار غير مسبوق لتكتلات اليمين بشتى أنواعه الدينية والأيديولوجية والاستيطانية والمناوئ في جملته للسلام والمُعارض حتى ل«صفقة القرن».

من الواضح أن الخريطة الحزبية الاسرائيلية تتسع، وهو ما يجعل المنافسات السياسية والانتخابية تدور في المربع الأيديولوجي والسياسي نفسه، مع اندثار متزايد للقوى الليبرالية واليسارية (يجاهد حزب ميرتس للبقاء على قيد الحياة وحظوظه حتى الآن أفضل من حظوظ حزب العمل)، باستثناء ما تمثله القائمة العربية المشتركة من تمثيل للمعارضة الفلسطينية والعربية، وحتى لجزء من المعارضة الإسرائيلية التي صوتت للقائمة المشتركة في الانتخابات الأخيرة. وينجح ممثلو القائمة المشتركة في الربط بين الحقوق المدنية وبين حقوقهم السياسية كأقلية قومية.

ومع انسداد آفاق السلام بتوقف المفاوضات مع الطرف الفلسطيني، فإن هذه المسألة لا يتداولها اليمين؛ إذ لا يشكل استئناف المفاوضات وإحياء الفرص السلمية هاجساً لهذا اليمين إلا من زاوية معاكسة، وهي سد الطرق أمام استئناف التفاوض وأمام أية تسوية متوازنة، وهو ما تتناغم معه حكومة نتنياهو التي قررت قبل أيام بناء خمسة آلاف وحدة سكنية استيطانية في أماكن مختلفة من الضفة الغربية المحتلة، وهو ما لاقى تنديداً أوروبياً. وفي هذا الصدد ذكر الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن المستوطنات «غير قانونية بموجب القانون الدولي، ولن يعترف الاتحاد الأوروبي بأي تغييرات لحدود ما قبل عام 1967، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس، بخلاف تلك التي اتفق عليها الطرفان». ولم يجد نتنياهو ما يقوله رداً على هذا الموقف الأوروبي سوى قوله: «لا تنازل عن أي أرض» والمقصود الأرض المحتلة التي تم الاستيلاء عليها بالقوة في حرب عام 1967.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"