الانتخابات الأمريكية وإدارة الأزمات

23:31 مساء
قراءة 3 دقائق

د. خليل حسين

من المفارقات العجيبة الغربية أن يكون حدثاً داخلياً معيناً في دولة ما، كالانتخابات الرئاسية الأمريكية، يحدد ويرسم إدارة أزمات إقليمية ودولية، وهي ليست ظاهرة عابرة، أو سابقة لا تتكرر، بل تعتبر مترافقة بشكل دائم مع كل مناسبة دستورية، وغريب المفارقات أيضاً أن تربط إدارة الأزمات وأساليب حلها وطبيعة التعامل معها، في معرض المقارنة والمقاربة بين برامج المرشحين لجهة انتماءاتهم الحزبية، إن كانوا جمهوريين، أو ديمقراطيين، علاوة على من سيصل إلى سدة الرئاسة الأمريكية ديمقراطياً كان، أو جمهورياً.

   وثمة بعض القضايا الإقليمية الممتدة التي لها تداخلات دولية، يمكن أن تستأثر بعناية المرشحين، التي تحاول نيل وكسب أصواتها الوازنة والمؤثرة في توجيه الرأي العام، واستطلاعات الرأي، وصولاً إلى التأثير في عمليات الانتخاب المباشر، أو انتخاب الأصوات الرئاسية وهي المقررة في عملية الوصول لسدة الرئاسة، وفي الواقع أن التدقيق في أثر هذه العمليات يوضح التأثير المباشر في ترجيح كفة مرشح على آخر، ومن بين هذه القضايا الفاعلة والحساسة قضايا الصراع ومفاوضات السلام والتطبيع بين العرب وإسرائيل، بدءاً من كامب ديفيد مع مصر، مروراً بمؤتمر مدريد للسلام ومندرجاته، وصولاً إلى أيامنا هذه.

   وحتى أن الأمر لا يقتصر بالضرورة على القضايا الإقليمية ذات الأبعاد الدولية، بل يتعداها إلى قضايا داخلية بحتة لبعض الدول، إذ تؤجل فعاليات معينة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وترتبط مندرجاتها وفعاليتها لما بعد الحدث المرتقب، وحتى إلى حين تركيب السلطة الجديدة في الإدارة الأمريكية، ومثال ذلك لا حصراً، تكليف وتشكيل الحكومة اللبنانية التي باتت مؤجلة منذ أشهر، ومعلقة على إجراء الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والأمر عينه استعمل مع انتخابات رئاسية أمريكية سابقة وانتخابات رئاسية لبنانية، إضافة إلى مناسبات مماثلة في العديد من الدول، حتى تلك التي تشهد علاقات متوترة مع واشنطن، كإيران مثلاً.

  والأكثر غرابة في هذه الظاهرة التي باتت طقساً من الطقوس المتعارف عليها في معظم الدول والمناسبات التي تجري فيها، أن مسؤولي الدول هم الأكثر تشبثاً، وتعلقاً بعمليات الوصل والفصل مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أكثر من الأمريكيين أنفسهم، حتى أن الربط يمكن أن يصل الى حد التّوهّم بإمكانات التأثير، وهي في الأساس بعيدة جداً، ولا رابط من قريب أو بعيد لجهة التأثير، من عدمه.

   صحيح أن الولايات المتحدة  تمتلك من القدرات المؤثرة في الفعاليات الإقليمية والدولية والكثير من الوسائل الوازنة، إلا أن ديمومة الربط والوصل هذه ، تفقدها جديتها في الكثير من الأحيان، وتجعلها في معظم الأحيان موضعاً وموقعاً للتندّر، وإطلاق الصور والأوصاف التي لا تليق بالحدث الأمريكي، ولا بالحدث المرتبط في الدولة الأخرى، كما تجعل منها ضرباً من ضروب التنجيم، والتبصير.

  وفي هذا السياق، من المفترض أن يستند الربط بين الأحداث إلى وقائع ومعطيات موضوعية تسهم في إحداث خرق إيجابي في الدول التي تربط قضاياها بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، إلا أن التدقيق في المواضيع يشير إلى صور مختلفة تماماً، حيث لا يستفاد لا من الحدث، ولا من نتائجه، بل أحياناً كثيرة يترك هذا الربط تداعيات سلبية كثيرة لجهة إضاعة الوقت، وكلفته، وآثاره.

   ربما العجز عن التوصل إلى حلول لبعض القضايا، وكثرة الاتكال على الجوانب المستقبلية غير المنظورة، أدت إلى سمة منتشرة في سلوكات أصحاب الحل والربط في معظم الدول، ومؤسساتها، الأمر الذي كرّس هذه السياقات السلوكية التي تبدو في الكثير من الأحيان غير مبررة، ولا تستند إلى حد أدنى من المبررات المنطقية. وربما ثمة عشرات آلاف المسائل التي تنتظر ذلك الحدث في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وفي الواقع، ربما القضايا المتصلة فعلاً لا تتعدى العشرات، إنها أمريكا، مالئة الدنيا، وشاغلة الناس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"