المحطات الخارجية في ولاية ترامب

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.غسان العزي

يمكن القول بأن الرئيس ترامب قام بتنفيذ كل وعوده الانتخابية تقريباً في السياسة الخارجية. فما خلا ضغوطه المستمرة على حلفائه الأوروبيين وتهديداته بالانسحاب من حلف الأطلسي اذا لم يزد هؤلاء مساهماتهم المالية فيه وعدائه المعلن للمؤسسات متعددة الطرف وشنه لحروب اقتصادية على الصين وغيرها عبر رفع الرسوم الجمركية وغيرها الخ، فقد أعلن عن الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ في 12 أغسطس/ آب 2017 والتي وقعت عليها 194 دولة، وذلك تنفيذاً لوعد انتخابي تحت شعار «أمريكا أولاً» لأنه اعتبر هذه الاتفاقية مضرة بالاقتصاد الأمريكي.

ثم في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2017 اتخذ قرار الانسحاب من اليونيسكو بسبب مواقفها من إسرائيل. وبعدها لم يتوقف عن انتقاد «بيروقراطية» منظمة الأمم المتحدة و«سوء إدارتها». وفي العام 2018 توقف عن المساهمة المالية في الأونروا قبل أن ينسحب من «مجلس حقوق الإنسان».

 خلال حملته الانتخابية لم يتوقف ترامب عن انتقاد «الاتفاق الكارثي» النووي الذي عقده أوباما مع إيران واعداً بالانسحاب منه، وهذا ما فعله في 8مايو/ أيار 2018. وقد ترافق إعلانه الأحادي هذا مع إقرار سلسلة متصاعدة من العقوبات على طهران ومحاولات حثيثة لاقناع حلفائه بأن يحذوا حذوه. وقد ردت طهران باستخدام أجهزة طرد لتخصيب اليورانيوم أكثر تطوراً مما يسمح به الاتفاق. وبدأت معركة سياسية حامية الوطيس على خلفية استنفارات وتهديدات عسكرية متبادلة بين واشنطن وطهران. وقد طالت العقوبات الأمريكية كل الكيانات والمؤسسات الإيرانية تقريباً وتوسعت لتشمل حلفاء وأذرع طهران في المنطقة.

 بعد تصعيد خطير وصل الى حد التهديد باستخدام السلاح النووي في بداية عهده ضد كوريا الشمالية فجر ترامب المفاجأة في حزيران/يونيو 2018، بعقد قمة تاريخية في سنغافورة مع الزعيم الكوري-الشمالي كيم جونغ ايل. ولكن بعد ثلاثة لقاءات، واحدة منها على الأرض الكورية-الشمالية في يونيو/حزيران 2019، وهي سابقة تاريخية لرئيس أمريكي، لم يحرز أي تقدم في مسألة نزع سلاح بيونغ يونغ النووي. وقد توقفت المباحثات في هذا الشأن لكن ترامب مستمر في مدح كيم معتبراً أن الوفاق معه إنجاز دبلوماسي كبير.

في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بعد تخليه عن الأكراد عبر سحب قواته من شمال سوريا أعلن ترامب في 26 من الشهر المذكور عن مقتل أبو بكر البغدادي زعيم داعش وذلك في هجوم للقوات الخاصة الأمريكية على مخبئه في ادلب شمالي سوريا. وهو بذلك يكون قد «تعادل» مع سلفه أوباما الذي قتل أسامة بن لادن في العام 2010.

 وبعدها اعترف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وفي مؤتمر صحفي حاشد في البيت الأبيض الى جانب نتنياهو، في يناير/كانون الثاني 2020 أعلن عن«صفقة القرن» أي خطته لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

يمكن القول إنه في ما خلا الموضوع الإسرائيلي لم يحقق ترامب إنجازات تذكر في سياساته الخارجية. فضغوطه على طهران مستمرة مع محاولات حثيثة خلف الكواليس لدفعها الى طاولة المفاوضات، دون جدوى. علاقاته بالأوروبيين لم تكن علاقات تحالف أكثر منها علاقات تنافس وخصومة لاسيما بعد تشجيعه لبريطانيا على البريكست ودعوته للدول الأوروبية الأخرى بأن تحذوا حذوها، وهو موقف يتسم بالعدائية المعلنة للاتحاد الأوروبي. علاقته تحديداً بالمستشارة الألمانية ميركل بلغت من السوء حداً دفعه لاتهامها بأنها تعمل لمصلحة موسكو على حساب واشنطن. وفي الاجتماعات متعددة الطرف مثل قمم الناتو أو القمم الأطلسية لم يكن يتردد في توجيه الانتقادات المباشرة لزعماء مثل الفرنسي ماكرون أو الكندي جوستان ترودو أو الألمانية ميركل. وينظر المثقفون والمحللون في أوروبا عموماً الى ترامب على أنه رئيس لا يستحق منصبه وبأنه يشكل تهديداً جدياً لديمومة التحالف الغربي.

 ضغوطه على الصين لم تجد نفعاً اذ أن بيجينغ ردت الصاع صاعين وأجبرته على التراجع في حربه التجارية معها، رغم استمراره بإلقاء التهم عليها في موضوع «الفيروس الصيني» كورونا وتهديداته بالاقتصاص منها. أما علاقته بروسيا فاتسمت بالتردد والغموض فرغم أنه انسحب من اتفاقات عديدة معها موقعة في زمن القطبية-الثنائية الا أنه كان يتفادى استفزاز الرئيس بوتين المتهم بأنه ساعده في الانتخابات الرئاسية السابقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"