ثورتان في الوجدان

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

صادق ناشر

في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، شهدنا ثورتين في لبنان والعراق، كانت الأولى أكثر عنفاً، حيث سالت دماء كثيرة في أوساط المحتجين على مظاهر الفساد، وكادت تتحول إلى فتنة اجتماعية ومذهبية، بعد أن حاولت بعض القوى حرفها عن مسارها الطبيعي، فيما كانت الثانية أقل حدة في العنف، لكن مواطنين أبرياء دفعوا ثمن إفراط قوات الأمن في التعامل مع التظاهرات، غير أن المخاوف ارتفعت بعد أن بدا أن العامل المذهبي انساق وراء محاولة تكميم أفواه الناس، لكن تم وأده سريعاً.

ما جمع ثورتي العراق ولبنان هو الفساد، فالبلدان أدخلهما الساسة إلى لجة المجهول، عبر مظلة الفساد، التي حمت كثيرين منهم، سواء كانوا مسؤولين كباراً في الدولة، أو حتى في المؤسسات الصغيرة.

وفي بلد غني مثل العراق، وصل الفقر إلى أعلى مستوى له، وفي لبنان بدأت الأصوات ترتفع من جور الغلاء، خاصة بعد انهيار سعر العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وصارت الرواتب لا تغطي تكاليف المعيشة بحدها الأدنى.

الثورتان في العراق ولبنان، لم تنجرفا إلى ما آلت إليه ثورات في بلدان عربية أخرى؛ ذلك أن الثورتين انطلقتا من أسس أقوى من تلك التي خرجت من أجلها الثورات في بقية البلدان العربية؛ لأن الأخيرة جاءت على وقع التحريض الهائل من قبل بعض الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية تحت مسمى «ثورات الربيع العربي»، واتجهت مباشرة إلى إسقاط الأنظمة وتغييرها، ما يعني إحداث فوضى عارمة، خاصة أن المحتجين كانوا يشعرون بأن هذه الأنظمة لن تسلم بسهولة. أما الثورتان في العراق ولبنان، فقد وجهتا سهامهما نحو رأس المشكلة مباشرة، وهو الفساد، لا تغيير الأنظمة.

بالأمس أحيا العراقيون واللبنانيون ثورتيهما وجدانياً في الشوارع والساحات، والهدف إبقاء جذوة الثورة في قلوبهم وعدم نسيانها، والتذكير بالأرواح التي ذهبت في المواجهات مع قوات الأمن خاصة في العراق، حيث دفع المتظاهرون نحو 600 قتيل وما يقرب من 30 ألف جريح، وهي أرقام ليست سهلة، لكنها كانت كفيلة بإيقاظ الضمير لدى المسؤولين في بغداد، ورأينا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي متحدثاً بشكل إيجابي عن التظاهرات التي قال إنها قدمت درساً للجميع، وكانت استذكاراً سلمياً يتوجب على السلطة ألا تقابله بالعنف.

صحيح أن التظاهرات خفتت حدتها في البلدين، مع حلحلة بعض القضايا، وإن لم تُلب مطالب المحتجين، لكن القاسم المشترك بينهما أن الفساد ما زال على حاله، والأسوأ أن أفق الحل ما زال بعيداً، فما زال الفاسدون يسرحون ويمرحون في البلدين، والقدرة على إزاحتهم صارت بعيدة المنال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"