ما بعد «الثلاثاء الكبير»

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. خليل حسين

بصرف النظر عما ستنتج انتخابات الرئاسة الأمريكية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، فستكون أمام الفائز الجمهوري أو الديمقراطي جملة تحديات داخلية وخارجية كبيرة، وهي تحديات لم يسبق أن واجهتها الولايات المتحدة مجتمعة، وذلك في ظروف وأوضاع استثنائية عالمياً وأمريكياً، ما سيصعّب على أي رئيس الولوج إلى حلول مقدرة أو مقترحة.

أولى التحديات التي استنفدت عناصر القوة في النظام الأمريكي هي جائحة كورونا التي أغرقت المجتمع الأمريكي في أزمة صحية لا سابق لها، لجهة الانتشار الوبائي ومعدلات الوفيات التي وضعت البلاد في الصفوف الأولى دولياً، وسط اتهامات مباشرة للرئيس دونالد ترامب بعدم قدرته على مواجهة الوباء ووضع الحلول الفعالة له. ففي حال فوزه سيكون هذا التحدي أكثر صعوبة، فيما لو وصل الديمقراطي جون بايدن، لن يتمكن من فعل المعجزات.

ثمة إحصائيات غير وردية تشير إلى أن الولايات المتحدة تعاني كارثة اقتصادية هي الأكبر منذ الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي؛ إذ وصل الانكماش الاقتصادي إلى 31.4%، خلال الربع الثاني من هذا العام. كما بلغت نسبة البطالة في أبريل/نيسان الماضي 14.7%، وهي نسبة تجاوزت فترة الركود العظيم بين عامي 2007 و2009 التي لم تتجاوز آنذاك 10%، كما أدت إلى فقدان 40 مليون وظيفة في فصل الربيع، ما تسبب في ضياع جميع المكاسب التي تحقّقت خلال عامين ما قبل الجائحة. 

أما في المجال الغذائي، فقد أفاد نحو 23 مليون بالغ (أي ما نسبته 10.5%) من جميع البالغين، أن أسرهم غالباً لم يكن لديها ما يكفي من الطعام خلال أسبوع كامل، إضافة إلى أن ما بين 7 و11 مليون طفل يعيشون في منزل لا يحصلون فيه على طعام كافٍ، كما أن الأمريكيين مدينون، بمبالغ تصل إلى 21.5 مليار دولار جراء تأخرهم عن تسديد مستحقات الإيجارات للمالكين. والأسوأ من ذلك أن 17.3 مليون  من أصل 44 مليون أسرة مستأجِرة  لم يكونوا قادرين على دفع بدل الإيجار، ما يعني أنهم سيصبحون في الشوارع.

أما على الصعيد الخارجي، فهناك تحديات ذات طابع عالمي، وكذلك ثنائي ومتعدد الأطراف. من بينها القضايا الدولية التي لأمريكا صلة مباشرة بها، كسباق التسلح الذي ظهر مجدداً مع العديد من الأقطاب في طليعتها روسيا والصين، لجهة الصواريخ الباليستية المتوسطة والبعيدة المدى، إضافة إلى قضايا المناخ، علاوة على علاقتها بالمنظمات العالمية وفي طليعتها الأمم المتحدة التي شهدت تهميشاً كبيراً خلال إدارة دونالد ترامب، كمشاكل التمويل مع اليونيسكو ومنظمة الصحة العالمية، وغيرها من الوكالات المتخصصة التي لم يرق عملها للرئيس ترامب، إضافة إلى قضايا العولمة ومنظمة التجارة العالمية، في الوقت التي عمدت فيه الإدارة الأمريكية إلى التوجه داخلياً، وضرب كل ما له علاقة بالانفتاح على الخارج، وهي قضايا جميعها تعتبر من أسس النظام الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة وتحتاج إلى إجابات محددة عنه.

في الجانب الثنائي، ثمة العلاقة مع إيران وبرنامجها النووي، إضافة إلى قضايا كوريا الشمالية، وحل موضوع البرامج النووية والصاروخية، وهما ملفان تركا ظلالاً كثيفة على علاقات الولايات المتحدة الأمريكية وتراجعها عن الاتفاقيات التي وقعتها مع أكثر من دولة، على أن هذه القضايا تشمل أيضاً علاقاتها مع حلفائها التقليديين في أوروبا، والعاصفة التي أثارها الرئيس دونالد ترامب حول قضايا حلف الأطلسي وتمويله.

إنها انتخابات رئاسية لكن لها من الأبعاد والتحديات ما يجعلها شأناً دولياً، كما هي شأن داخلي، فلطالما جُمدت مشاريع حلول وأُجلت أخرى  كما استعجل في بعضها الآخر  وصلاً وربطاً بهذا الحدث الذي يشغل العالم بأسره، وكأنه الرئة التي يتنفس منها العالم. في المحصلة، أياً يكن شاغل البيت الأبيض فثمة تحديات كبيرة من الصعب أن تجد لها حلولاً في ولاية رئاسية واحدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"