عادي

سلطان يطلق الأجزاء الثمانية الأولى من «المعجم التاريخي للغة العربية»

21:26 مساء
قراءة 7 دقائق
شيخ سلطان
شيخ سلطان
شيخ سلطان
1
المعجم التاريخي للغة العربية

خورفكان: «الخليج»

 في إنجاز غير مسبوق، ولحظة مفصلية في تاريخ اللغة العربية، أطلق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المجلدات الأولى من «المعجم التاريخي للغة العربية»، المشروع المعرفي الأكبر للأمة، الذي يؤرّخُ للمرة الأولى تاريخ مفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها عبر 17 قرناً (منذ عصر ما قبل الإسلام إلى عصرنا الحاضر).
جاء ذلك خلال حفل بهيج مبارك، أقامه صاحب السمو حاكم الشارقة، صباح الخميس، في مدينة خورفكان، بحضور عدد من رؤساء مجامع اللغة العربية، وكبار علماء اللغة العربية والفقهاء في العالم العربي.

رسالة إلى أبناء الثقافة العربية

ووجّه صاحب السمو حاكم الشارقة بهذه المناسبة رسالة إلى أبناء الثقافة العربية والناطقين بلغة الضاد ومجتمع الباحثين والدارسين لمختلف الحقوق الفكرية والعلمية والأدبية رسالة، قال فيها:
 يطيبُ لي أن أُرحّبَ بكم في بلدِكم، أنتم في مَحْضنِ العربيّة ومَوطنِها. في البداية، أتقدّمُ بالشّكر الوافر والعِرفانِ الصّادق والدّعاءِ الخالص إلى كلِّ الذين أسهموا وشاركوا في تحرير المعجم التاريخي للغة العربيّة، وفي مقدّمتهم اتّحادُ المجامعِ اللغويةِ العلميةِ العربيّةِ تحتَ رئاسةِ الشيخ الفاضل الدكتور حسن الشافعي وجميع العلماء اللغويين العاملين معه.
كما أتوجّهُ بالشكر الجزيل لكم، أنتم رؤساءَ المجامع اللغوية الذين شاركتم في هذا المشروع العظيم، والشّكرُ موصولٌ لأعضاء المجلس العلمي ولأبنائي وبناتي في اللجنة التنفيذية في مجمع اللغة العربية بالشارقة، ولجميع المُحرّرين والخبراء والمقرّرين؛ فجزاكم الله جميعا خيرَ الجزاء.

 كان حُلماً يراودُني

إنّ مشروعَ المعجمِ التاريخيّ للغة العربيّة كان حُلماً يراودُني منذُ زمنٍ بعيد، وازدادَ حِرْصي على دَعْمِهِ وإخراجِهِ لمّا علمتُ أنّ المحاولاتِ السابقةَ جانبَها التَّوفيقُ لأسبابٍ متعددة، فاسْتَخَرْتُ اللهَ العليَّ العظيمَ أن يُعينَنا على إنجازه، ولا زلت أدعو الله عزّ وجلّ أن يوفّقنا ويُسَدِّدَ خُطانا إلى حينِ إتمامِه على أكمل وجهٍ، إن شاء الله تعالى.
فهنيئا للأمّة العربيّة بهذا المعجمِ العظيمِ الذي يُؤَرّخُ لألفاظِ العربيّةِ منذُ العصرِ الجاهلي، الذي سَبَقَ بُزوغَ شمسِ الإسلام، مُروراً بالعصرِ الأمويِّ فالعبّاسيّ فَعَصْرِ الدّولِ والإمارات ووُصولاً إلى العصرِ الحديث.
ها نحنُ أولاءِ نشهَدُ اليومَ في هذه المناسبةِ الكريمةِ البهيجةِ صُدُورَ الأجزاءِ الثمانيةِ الأولى للمعجم التاريخي في ثوبِهِ الجميل، وإخراجِهِ الرائع، نَضَعُهُ بين أيدي الأمّةِ وبين أيدي المثقّفين وعُشّاقِ اللغة العربيّة يَنْهَلونَ من دلالات ألفاظه، ونُصوصِهِ الحيّة وشواهدِه التاريخية.
لقدْ حدَّثَتْني نفسي كثيراً، وأنا رجلٌ مُهتمٌّ بالتاريخ: لماذا لا يكونُ للعربِ مُعجمٌ تاريخيٌّ يؤرّخُ للغتهم؟ هل اللغويون والمعجميّون العربُ عاجزون عن إنجازِ هذا المشروع؟

حَشْدِ القِوى وتوحيدِ الصّفوف

كلاّ، أبناءُ العربيّة ومُحبّوها وعلماؤها ليسوا عاجزين عن كتابة هذا المعجم وإخراجِه للعالمين، وأدركتُ أنّ المشروعَ يحتاجُ إلى حَشْدِ القِوى وتحفيزِ النفوس وتوحيدِ الصّفوف وتنظيمِ الجهود، وإلى تغطيةٍ مادّيّة تُناسبُ عظمةَ هذا المشروع، والحمدُ لله، لقد وفّقنا الله تعالى مع علماء اتّحاد المجامع إلى تذليل كل الصعوبات والعوائق التي كانت تقفُ أمامَ المشروع.
وما كان حُلْما وضَرْبًا من الخيال قبلَ ثمانين عاماً أصبح اليومَ واقعًا مَشْهوداً، وكلُّ هذا بتوفيق الله تعالى وكرمِهِ وإحسانه، ثُمَّ بجهود المخلصين من أمثالكم، فلا يَسَعُني في هذا اليومِ المباركِ الميمونِ إلا أنْ أبارِكَ للأمّة العربيّة والإسلاميّة جمعاء على صُدورِ الأجزاء الثمانية التي تَرَوْنَها أمامكم، وهي تتعلّقُ بحرفين فقط الهمزة والباء، ونعِدُكم أنّنا في الأعوام القادمةِ القليلة سنُقَدِّمُ للغة العربية ولأبناء العرب عشراتِ الأجزاء، ويَسْتَمْتعُ مُحبّو لغةِ الضاد بمعجم العربيّة الأكبر، ويومئذ يفرحُ المؤمنون بنصر الله وتوفيق الله، وما ذلك على الله بعزيز.

المرجع الأكبر والمورد الأعظم

وسيكونُ المعجمُ التاريخيُّ للغةِ العربيّة المرجعَ الأكبرَ والموردَ الأعظمَ الذي يعودُ إليه المثقفون والمتخصّصون في جميعِ المجالات، ويعودُ إليه طلابُ الجامعات والأكاديميّون، والشعراءُ والأدباءُ، وكلُّ مَنْ يَهْوى هذهِ اللغةَ العظيمةَ، وإنّي مُؤمنٌ بأنّ هذا المعجمَ لا يشرحُ الألفاظَ ولا يُعرّفُ بدلالاتِ الكلماتِ ويُعطي تواريخَ استعمالها فقط، وإنّما يحفظُ تاريخَ الأمّةِ من الاندثار، ويَصونُ حضارتَها من الزّوال، ويُخلّدُ مآثرَ العرب وأيّامَهُم، ويُحافظُ على الذّاكرةِ العربيّة من أقصى الجزيرة العربيّة شرقاً، إلى المحيطِ الأطلسيِّ غَرْباً، ويؤرّخُ للنُّصوص والأشعار، ويُثبِتُ الأخبارَ والأقوالَ التي نطقَ بها المسلمون وهم في بلادهم وراء النهرين وأقاصي آسيا، ويحفظ تاريخَ إفريقيّة المسلمة التي عُنِيَ أصحابُها بالفقه المالكي وعلوم اللغة ومتونها.

الشارقة حاملة للثقافة وعاصمة للغة

هذا يومُ البهجةِ الكبرى والسّعادةِ الغامرة، وقد كنتُ أنتظرُ هذا اليومَ منذُ أكثرَ مِنْ عَقْدَيْنِ من الزّمن، وشاء المولى تعالى أن يرى هذا المشروعُ النّورَ على أيديكم جميعاً في الشارقة التي أحتسِبُها عندَ الله حاملةً للثقافة العربيّة، وعاصمةً للغة العربيّة، وكرّستُ حياتي لأجعلَها مَوْطِنًا للغة والأدب والمسرح والرواية وجميعِ الأجناس الأدبيّة، وموئلاً يلجأُ إليه أهلُ الآداب، وعُشّاقُ الثقافة ومُحبُّو المعرفة، والحمدُ لله على توفيقه، وشكراً لكم أنتم يا علماءَ اللغةِ وحُرّاسَها،، وأدعو الله عزّ وجلّ أن يحفظَكم ويُسدّدَ خُطاكم، ويَحْفظَ جميع العاملين في إنجازه، ولا تهِنُوا ولا تَتَوانَوْا، وإنّ بشائرَ الخير قد أطلّت، وإنّ رايةَ اللغةِ العربيّةِ ستظلُّ خفّاقةً عاليةً تُناطحُ السّماءَ لأنّها مَحْفوظةٌ بحفظ كتابِ الله العظيم.

مهمة تاريخية من 100عام

ويحقق صاحب السمو حاكم الشارقة بإطلاقه هذا المنجز، مهمة تاريخية تعود جذورها إلى قرابة مئة عام ماضية، وقُدّمت في سبيل إتمامها جهود ومحاولاتٌ إلا أنها تأجلت وألغيت وجانَبها الصواب، وكان من أبرزها تجربة مجمع القاهرة سنة 1936 التي انطلقت تحت إشراف المستعرب الألماني فيشر عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، آنذاك، وتوقفت بعد أن تم إعداد البطاقات الأولى من حرف الهمزة.

د. الشافعي: الشيخ سلطان «مأمون الأمراء العرب» مهموم بمصالح أمته
 
تطلعنا للمعجم التاريخي وأصدره حاكم الشارقة المثقف المدقق المحقق

وبهذه المناسبة الجليلة والعظيمة ألقى الأستاذ الدكتور حسن عبداللطيف الشافعي رئيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية كلمة متلفزة، قال فيها: هذا يوم مشهود من أيام العربية ترفرف فيه أعلامها اعتزازاً وابتهاجاً بصدور المعجم التاريخي للغة العربية وهي أمنية طال انتظارها فكم اشرأبت إليها الأعناق وتعلقت بها الآمال من سدنة العربية ومحبيها، فإنه على امتداد القرن الماضي، الرابعَ عشرَ الهجريِّ (= العشرين الميلاديِّ)، ظلت جماهيرُ المثقفين في الأمة العربية، تتطلع إلى عمل معجم تاريخي، للغتهم الشريفة، وهي إحدى لغات العالم الكبرى، بيد أنها ثقيلة الوزن الفكري والثقافي والعلمي والفني، أسوة بتلك اللغات التي حظي أهلها، ومن يستعملها في أنحاء العالم، بذلك المعجم، على نحوٍ أو آخر.
وعندما اتسعت حركة إقامة «المجامع اللغوية» في أرجاء العالم العربي، وخاصة في دمشق والقاهرة، انتقلت الفكرة من تطلعات الجماهير، ودعوات المثقفين العرب، إلى أيدي متخصصين ذوي خبرة وممارسة للبحث اللغوي؛ التاريخيِّ وغيرِه، من أعضاء هذه المجامع وخبرائها، وعلمائها من الشرق والغرب.

تطورات القضية اللغوية

وتصدى مجمع القاهرة للغة العربية، لهذه القضية اللغوية، فضمَّنَها أولى وثائقه الرسميَّة، فنصَّ مرسوم إنشائه، الصادر في الرابع عشر من شعبان ۱۳٥۱هـ، الموافق للثالثَ عشرَ من شهر ديسمبر/ كانون الأول لسنة ۱۹۳۲ للميلاد، في المادة الثانية الخاصة بأهداف المجمع، على «أنْ يقوم بوضع معجم تاريخي للغة العربية، وأن ينشر أبحاثاً في تاريخ بعض الكلمات وتغيُّر مدلولاتها».
وفي عام ۱۹۳٦ للميلاد، شكَّل المجمع، تنفيذاً للنص السابق، لجنة للشروع في إعداد هذا المعجم، بإشراف المستشرق الألماني، بروفسور فيشر، عضو المجمع، ومضت اللجنة في إنجاز مهمتها، لكن الظروف لم تمكنها من إتمامه فتوقفت بعد حين، ونشر المجمع ما عملته؛ في نطاق حرف الهمزة، وفترت الدفعة الأولى التي شهدتها الفكرة، بقيام الحرب العالمية الثانية.

تجدد الاهتمام بالمعجم

ثم تحركت الأفكار، وتجدد الاهتمام بقضية المعجم التاريخي، خلال العقد الأول من القرن الحالي، وصدرت عدة مؤلفات للغويين العرب، عن طبيعة الموضوع، ومتطلباته، وتجاربه ومشكلاته، فشعرت المؤسسات اللغوية ــ من جديدــ بمسؤوليتها، إزاء هذا الواجب التاريخي القومي، الذي تتطلع له الأمة، على مدى نحو قرن كامل، وشاء الله ــ عز وجل ــ أن تتجه همة صاحب السموِّ الشيخ العالم، المدقق المحقق «مأمون الأمراء العرب»، المهموم بمصالح أمته الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكمِ الشارقة إلى مشروع المعجم التاريخي، ضمن مشروعاته العلمية المتعددة، التي يقيمها في أرجاء العالمين العربي والإسلامي، وأن يتكفل مجمع الشارقة للغة العربية بكل المتطلبات العلمية والمادية التي وقفت، خلال عقود متوالية، دون إنجاز المعجم المنشود، فأقام سموه أولًا داراً فاخرة، بل صرحاً علميّاً «لاتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية» مزوداً بأجهزة العمل، بمدينة السادس من أكتوبر، الضاحية الجنوبية للقاهرة، على أرض قدمتها حكومة جمهورية مصر العربية، ورعى جهود الاتحاد في إقامة الجهاز الضروري، إداريّاً وعلميّاً، على أن يكون العمل تحت مظلة الاتحاد، والجانب العلمي والإشرافي في القاهرة، والجانب التنفيذي ــ بأجهزته العملية، على أرقى مستوى معاصر، وكذا الجانب المالي، في مجمع الشارقة. والكل برعاية سموّه شخصيّاً ــ جزاه الله كل خيرــ مع لجنة علمية مصغرة للمجلس العلمي للاتحاد، ولجنة عليا للتنسيق والمراجعة والاعتماد، بإشراف الأمانة العامة للاتحاد.

سلطان المتواضع الإنسان
هذا الرجل العظيم، الذي يعتبر ــ على علمه وسمو قدره ــ مثالًا للتواضع وإنسانية التعامل والديمقراطية، وتقدير أهل العلم، كما هو شأن العلماء الكبار، أن أوجه إلى سموه الشكر الواجب، والثناء الجميل، والامتنان الجزيل لكل ما بذله ويبذله، وعمله ويعمله.

كلمة شكر
وفي ختام الحفل -الذي شهد الاحتفاء بهذه المناسبة التاريخية المفصلية- تفضل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، بتدوين كلمة شكر وعرفان للقائمين على إنجاز الذي يؤرخ للغة العربية، وعلى صفحات الجزء الأول من المعجم خط فيها: نشكر كل من ساهم في صنع هذا المعجم من إداريين ومحررين ومفكرين ونتمنى أن تكون تلك الأعمال في ميزان حسناتهم ويوفقهم الله لإتمام هذا المشروع العظيم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"