عادي

«أكتوبر» سلط الضوء على أسواقنا المشوهة

20:53 مساء
قراءة 4 دقائق
محمد العريان
محمد العريان

محمد العريان *

أثبت شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، صعوبته بالنسبة لسوق الأسهم، ولم يكن ذلك مفاجأة للمستثمرين المخضرمين الذين ما زالت أحداث بعض الأشهر الصعبة تطوف في ذاكرتهم. ولم تسلم أيضاً الاستثمارات التي تهدف إلى تخفيف المخاطر وتعويض بعض الانزلاقات في الأسهم، وخسرت الأموال هي الأخرى.

حين نفهم الأسباب، تتبين بعض التحديات الصعبة التي تواجه المستثمرين في سوق مضطرب إلى حد كبير، بسبب تدخلات البنك المركزي المستمرة لفترات طويلة، والتعامل مع الأساسيات الاقتصادية الضعيفة، وتأخر حزم الدعم المالي.

دعونا نبدأ بالأرقام. للشهر الثاني على التوالي، انخفض مؤشر «إس أند بي 500» وهذه المرة بنسبة 2.8%، وبذلك محا إلى حد كبير معظم مكاسبه لهذا العام. وأدت خسارة مؤشر «داو جونز» الشهرية البالغة 4.6% إلى انخفاضه منذ عام إلى اليوم بنحو 7%. حتى مؤشر «ناسداك» المركب، صاحب الأداء المتفوق من بين الثلاثة، خسر هو الآخر 2.3% وشهدت مكاسبه لهذا العام تقلصاً بحدود 22%.

في الوقت نفسه، يُترجم الانحدار الهائل في منحنى عائدات السندات الحكومية الأمريكية إلى خسارة معظم الاستراتيجيات المخففة لمخاطر الدخل الثابت. أما بالنسبة للذهب، وهو تخصيص بديل اكتسب شعبية أكبر مؤخراً، فلم يساعد كثيراً أيضاً. فقد تغير سعر المعدن الثمين قليلاً خلال الشهر الماضي.

هذا الانهيار الصارخ في العلاقات التاريخية بين ما كان يُنظر إليه تقليدياً على أنه أصول محفوفة بالمخاطر، وتلك التي يُنظر إليها على أنها مخففة للمخاطر ليس الأول من نوعه. في الواقع، لقد استفاد المستثمرون كثيراً مؤخراً من الفترات التي ارتفعت فيها أسعار الأسهم والسندات في نفس الوقت. وكان الأمر أكثر وضوحاً عندما هوت أسعار كليهما في نفس الوقت أيضاً. وهو تذكير بأن الرهان لا يكون فقط في اتجاه واحد عندما يتعلق الأمر بالأسواق المشوهة بشدة، بسبب تدخل البنك المركزي.

شهد شهر أكتوبر عدداً من التطورات التي أضعفت ما كان يمثل إلى حد كبير قدرة قوية على ضخ السيولة الوافرة والمتوقعة، وشجع ذلك سلوك المستثمرين الصاعد، لا سيما فيما يتعلق بالأسهم، للتعويض عن جميع حالات عدم اليقين السائدة. في حين أن الانهيار في هذه الصيغة قد يُعزى جزئياً إلى القضايا المتعلقة بالانتخابات، فإن الجاني الحقيقي هو فقدان الاقتصاد العالمي للزخم وفشل الأحزاب السياسية المستمر في الاتفاق على حزمة إعفاء مالي جديدة. ومن المرجح أن يشهد نوفمبر/تشرين الثاني المزيد من التحديات لكليهما.

يعد إعلان يوم السبت عن إغلاق إنجلترا لمدة شهر، مؤشراً جديداً على الصعوبات التي تواجهها معظم دول أوروبا، لتحقيق التوازن بين الصحة العامة والاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن الحرية الشخصية، أثناء الوباء.

على الجانب الآخر من الأطلسي، تشهد الولايات المتحدة طفرة في إصابات «كوفيد-19». وانطلاقاً من المسار الذي تتخذه حالات تفشي المرض في أوروبا، الذي يعتبره العديد من الخبراء الطبيين مؤشراً رئيسياً للولايات المتحدة، فإن الأمر لم يستغرق سوى أسابيع حتى انعكست الزيادة في حالات الإصابة داخل الولايات المتحدة أيضاً، وارتفعت معدلات دخول المستشفيات والوفيات.

ستبدي العديد من الولايات الأمريكية استعداداً أقل من الحكومات الأوروبية تجاه فرض الإغلاق، لكن لا يزال يتعين علينا توقع تباطؤ ملحوظ في نشاط القطاع الخاص، حيث تتخذ الأسر والشركات المزيد من الخطوات الاحترازية بمفردها. ولا يوجد سوى احتمال ضعيف بأن نشهد حزمة مالية خلال الشهرين المقبلين لتعويض خسائر الدخل الناتجة.

سيُظهر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع، على غرار البنك المركزي الأوروبي، ما إذا كان أقوى بنك مركزي في العالم، مستعداً لإعادة ضبط سياسته لمواجهة أكثر توقعات الاقتصاد والأسواق صعوبة في هذا الزمن. ويأمل المستثمرون في ذلك أيضاً.

مرة أخرى، سيشدد محافظو البنوك المركزية الأمريكية على أن وضع الاحتياطي الفيدرالي قوي وموثوق. ومع ذلك، يتساءل كثير من الاقتصاديين عما إذا كان أي تخفيف آخر للسياسة النقدية سيكون له أي تأثير بخلاف توسيع الفجوة الكبيرة أساساً بين «وول ستريت» المربحة و«ماين ستريت» المتعثرة، وما يتبعه من تفاقم عدم المساواة الثلاثية (الدخل والثروة والفرصة). وهناك قلق حاصل أيضاً بشأن الضرر الطويل الأجل الذي يلحق بمصداقية البنك المركزي وفاعليته وعمل الأسواق بشكل عام.

إذاً، ماذا يعني كل هذا للمستثمرين؟ الأهم من ذلك، أنه يسلط الضوء على أهمية الاعتراف بأننا نعمل في أسواق مشوهة للغاية، يعتمد مسارها التصاعدي أكثر من أي وقت مضى على استمرار إيمان المستثمرين الجماعي بقوة موقف السياسة النقدية الممتد بالفعل للتعويض عن عدد متزايد من الرياح المعاكسة. وتشمل هذه المخاطر الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والشركات، فضلاً عن السلامة الهيكلية للأسواق.

إنها حقيقة أدت إلى تآكل فاعلية التنويع التقليدي للمحفظة، وهو ما يشير إليه الكثيرون على أنه مزيج استثماري بنسبة 60/40 من الأسهم والسندات. فيما يتعلق بتخفيف المخاطر، وفي ظل غياب استعداد الاحتياطي الفيدرالي، يبقى للمستثمرين عدد قليل من الخيارات بخلاف الحيازات النقدية، وسندات الاستحقاق قصيرة الأجل. أما بالنسبة للمستثمرين الأكثر خبرة، سيكون هناك العديد من انكشافات التحوط القائمة على المشتقات.

* كبير الاستشاريين في «أليانز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"