عادي
تداعيات الأزمة على جانبي النمو والديون

الطريق إلى المستقبل.. حوار بين ديفيد مالباس ومحمد العريان

23:31 مساء
قراءة 4 دقائق
مالباس والعريان خلال الجلسة
إعداد: هشام مدخنة

بينما يواجه العالم أزمات متعددة، لم يكن استقرار الاقتصاد الكلي العالمي أكثر أهمية من أي وقت مضى. فماذا يعني التضخم أو انخفاض العملات وثبات معدلات النمو بالنسبة للبلدان، ولا سيما للفئات السكانية الضعيفة؟ وما هي الحلول المبتكرة الممكنة التي يمكن للبنوك المركزية والمؤسسات المالية الأخرى اتخاذها لمعالجة هذه الأزمات الصعبة؟ تلك كانت بعض النقاط التي تطرق إليها رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس، في حواره المتعمق مع رئيس كلية «كوينز» بجامعة كامبريدج محمد العريان، حول اتجاهات الاقتصاد الكلي العالمي وآثارها على التنمية.

«وسط هذه التحديات العالمية، وفي وقت اقتصادي مرهق وأسعار فائدة مرتفعة، لا يزال التضخم عنيداً.» هكذا أعرب مالباس عن قلقه بشأن التوقعات الاقتصادية القاتمة، وانخفاض مستويات الاستثمار. مخاطباً العريان، «ما هو تقييمك للوضع، وما الذي يمكن فعله اليوم لعودة النمو العالمي بشكل أسرع في المستقبل؟»

ليجيب الأخير: «في عام 2020، جلسنا هنا وافترضنا أنه سيكون هناك اضطراب كبير في النمو الاقتصادي العالمي والأسواق، وأننا سنواجه صدمة سلعية، وصدمات طاقة وغذاء، وسنشهد دورة أسرع للفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، مما يساوي أزمة دولة نامية. حسناً، الخبر السار هو أن هذا لم يحدث. وذلك بسبب الإجراءات المهمة التي اتخذها البنك الدولي وصندوق النقد، ولأن البلدان نفسها تعلمت من أخطاء الماضي ولم تنتظر حتى تتكيف مع الأزمة الجديدة. لكن مع ذلك، فالقلق موجود من تداعيات الأزمة على جانبي النمو والديون، وما يليهما من مشاكل اجتماعية وحوكمة». وأشار العريان إلى ثلاثة محاور رئيسية يمكن أن تساعد في إيجاد الحلول للواقع الاقتصادي المعاصر. المحور الأول متعلق ب «التحولات الكبرى» المتمثلة بالطاقة والرقمنة والعلم، وبأننا أمام فرصة ذهبية لإعادة التفكير في نماذج النمو. والمحور الثاني مرتبط ب «إدارة الاقتصاد المحلي» والتطبيق العملي للدروس التي نتعلمها، حول ما يجب فعله وما لا يجب فعله، على الواقع بالسرعة الكافية. أما المحور الثالث فهو «التعددية»، فمعظم المشكلات التي نواجهها هي مشتركة في العديد من البلدان، وإذا حاولت كل دولة حلها بمعزل عن الأخرى، فلن تتمكن ببساطة من ذلك.

  • انتقاد الفيدرالي

وبرر العريان انتقاده المستمر للاحتياطي الفيدرالي بأن مشكلة تدفق الأموال إلى الاقتصاد تضيف عبئاً جديداً إلى الأسواق وتفاقم مشكلة الأسهم. وما تفعله الولايات المتحدة مهم ومتابع، فهي موجودة في قلب نظام عالمي ذي امتيازات كبيرة، من أهمها العملة الاحتياطية العالمية. لكن مقابل ذلك، عليك أن تدير هذا النظام بمسؤولية، أو سيصبح المحيط متقلباً بشكل لا يصدق. في إشارة إلى توصيف الفيدرالي الخاطئ للتضخم بأنه «مؤقت» لمعظم عام 2021. وقال العريان: «إذا أخبرت شخصاً أن شيئاً ما مؤقت، فأنت تخبره أنه قابل للعكس في أي لحظة. لذلك أحب العالم كله الفكرة القائلة بأن التضخم حدثٌ مؤقت. ولم نفعل ما يكفي حيال ذلك، واستمر الفيدرالي بضخ السيولة في النظام لفترة طويلة كانت معدلات الفائدة فيها لا تزال قريبة من الصفر. إلى أن ضغط فجأة على المكابح وطبّق أسرع زيادة في أسعار الفائدة رأيناها منذ عدة عقود تسببت في وقوع حوادث اقتصادية ومالية.

  • مشاكل العرض والطلب

وفي إجابة عن سؤال، ما هو دور السياسة المالية التحفيزية وسط النظرية النقدية الحديثة التي تنادي بالإنفاق الكثير؟ قال العريان: «في المقابل هناك وجهة نظر كاملة مفادها أنه بعد الخروج من الأزمة المالية العالمية، كانت لدينا مشكلة طلب، لا مشكلة عرض. وإذا كانت لديك مشكلة في الطلب، فإن قضية التضخم ليست مهمة، ويمكن أن تُغرق النظام بالكاش.» لكن ما حدث في الأعوام الثلاثة الماضية، هو أننا بدأنا نواجه مشكلة في «العرض».

لقد كان هناك تغييرات حاسمة علينا مواجهتها في قطاع الطاقة، وهذه بطبيعتها تضخمية. وهناك أسواق العمل؛ حيث انخفضت مشاركة القوى العاملة فيها. أضف إلى ذلك التوترات الجيوسياسية التي غيرت العولمة وبدأت في تفتيتها. وكان لديك شركات أدركت متأخرة أنها بحاجة إلى مزيد من المرونة. وعندما تعيد توصيل سلاسل التوريد، فهذا بطبيعته أمر تضخمي. لقد تغير النموذج برمته، ونحاول الآن التعامل معه.

  • فخ الديون

ويعتقد العريان أن البنوك أصبحت أكثر عزوفاً عن المخاطرة وأقل إقراضاً بسبب الهزات المصرفية الأخيرة في الولايات المتحدة. وهذا يذكره بفترة السبعينيات والثمانينيات، ومشاكل الديون وإعادة تدوير الفائض في المكان الخطأ. وقال: «ماذا ستفعل مع البلدان التي تراكم الكثير من الديون التي هي في مصلحة الجميع، بما في ذلك الدائنين، للحصول على حل وقائي؟ لدينا نفس المشكلات القديمة تماماً، الفوائض في أماكن مختلفة، مشاكل الديون في أماكن مختلفة، لكنها في الأساس، من الناحية التحليلية، هي نفسها تماماً».

في غضون ذلك، أكد مالباس وجود سوء تخصيص لرأس المال، وبأنه حتى أفقر البلدان لا تزال تدفع مبالغ ضخمة للدائنين الذين يأخذون معدلات فائدة عالية من المدينين. وبأن البنك الدولي يبذل جهوداً كبيرة لمحاولة جمع البيانات، وقد عقد اجتماعه الأول في الهند مع مجموعة العشرين في فبراير/ شباط الماضي؛ لمناقشة مسألة الديون، التي نمت بشكل كبير، مع جميع الدائنين بما في ذلك الصين، مما يمثل تحدياً خطِراً بالنظر إلى الفوائد الجزائية والمتراكمة. وقال: «نحن في فخ دورة الديون، نفعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً، ونسمح بالكثير من الإقراض في نظام غير شفاف ثم نحاول حل المشكلة».

  • الشراكة بين العام والخاص

تحدث العريان عن ضرورة استغلال الفرص الذهبية مع استمرار التحول الأخضر والرقمي والعلمي، من أجل عودة جوانب التفاؤل في الأسواق، والعثور على استثمار جيد. وقال: «إنها تحولات هائلة تسمح للبلدان بالقفز إلى الأمام، وإذا لم ننتهزها، فإن الأمور ستصبح أسوأ»، مضيفاً: «لقد تعلمنا الكثير أثناء الوباء عن الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وكان تطوير اللقاح أحد أقوى هذه الشراكات؛ لأن الناس فكروا في مساحة الخطر. وبدلاً من مجرد مشاركة التمويل، فكروا، أي شريحة مخاطرة تعتبر كارثية على القطاع الخاص؟ مما يعني أنني أمول الكارثة فقط».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4pst2xut

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"