الصين الجديدة

23:44 مساء
قراءة 3 دقائق

 

أصدر الحزب الشيوعي الصيني، عقب مؤتمره الأخير، وثيقة سمّاها الخطة التنمويّة في أفق سنة 2035، التي تمّ التّنصيص فيها على مفهوم «الرخاء للجميع»، شعاراً جديداً لدولة الصين خلال العقدين القادمين، وهو شعار الأنظمة الرأسمالية الليبرالية في واقع الأمر.
 عند قراءة تفاصيل هذه الوثيقة التاريخيّة، لفهم قوّة الصين، وكيفيّة بناء مشاريع التخطيط والتطور والتحديث المستمرّة منذ عقود، يمكننا الخروج بجملة ملاحظات، قد تساعد القارئ العربي على فهم حركة التغيير داخل المجتمع الصيني وداخل المجتمعات الساعية إلى التطور والتقدم الدّائميْن.
 الملاحظة الأولى تتعلّق بما سمّاها الرئيس الصيني «الديمقراطيّة الاشتراكيّة»، المتمثّلة أساساً في أنّ الخطة التنمويّة، قد تمت صياغتها بعد أن تم جمع أكثر من 500 مقترح من المقترحات التي تم تقديمها منذ شهر أبريل (نيسان) الماضي، بما سمح بالتعمق في الأفكار، وتدقيقها لتصبح مقترحات عملية تبنى عليها السياسات الصينية الجديدة.
 الملاحظة الثانية التي لا تقل أهمّية، هي وجود خمسة أسس، ستقوم عليها الخطة التنموية الجديدة، وهي كما شرحها الرئيس الصيني، العلاقات الخمس، المتمثلة في العلاقات بين البناء على الإنجازات السابقة والسعي إلى الابتكارات، وبين الحكومة والسوق، وبين الانفتاح والاعتماد على الذات، وبين التنمية والأمن، وبين الاستراتيجية والأساليب- باعتبارها المبادئ التي تم الالتزام بها في صياغة المقترحات.
 الملاحظة الثالثة، تتمثل في استلهام بعض مفردات النظام الرأسمالي الليبرالي، مثل الإصلاح الهيكلي، والرخاء للجميع، والتنمية المستدامة، الأمر الذي يؤكّد أنّ الصين تسعى لتغيير ثوبها، من الاشتراكية المطلقة إلى مزيد من الانفتاح والتحرّر الاقتصادي، خاصّة أنّها تتقدّم في مستوى المبادلات الخارجية منذ سنوات لتتربّع على عرش التجارة العالميّة. غير أن هذه التوجهات لا تلغي التوّجه نحو الداخل في عمليّة تنمية مكوّرة، بمعنى إعادة استثمار الأرباح في عمليات تنمية حقيقية وفعلية داخل البلاد يستفيد منها المواطنون الصينيون، وتساهم بها الدولة في محاربة الفقر خاصّة في الأوساط الريفيّة والقرويّة. شدّد الرئيس الصيني على أنّ إنشاء نمط إنمائي جديد، يرتكز على أن تتمكن فيه السوقان المحلية والخارجية من تعزيز بعضهما البعض مع ضرورة أن يتخذ من السوق المحلية الدعامة الأساسية له، ما يعد خياراً استراتيجياً لرفع مستوى التنمية الاقتصادية للصين، فضلاً عن صياغة مزايا جديدة في التعاون الاقتصادي والمنافسة الاقتصادية على الصعيد العالمي. ولذلك حث الرئيس الصيني على بذل الجهود لتجذير تنمية الصين داخل البلاد والاعتماد بدرجة أكبر على السوق المحلية لتحقيق النمو الاقتصادي. كما دعا شي إلى التمسك بتوسيع الطلب المحلي كأساس استراتيجي وتعزيز دورة إيجابية للاقتصاد الوطني. وإلى إرساء نظام إمداد أكثر توافقاً مع الطلب المحلي. وتهدف الصين من خلال هذه الخطة التنموية الجديدة إلى اللحاق بمستوى الدول المتقدّمة من خلال الدخل الفردي الخام، بما يعني أن هذه الدولة القويّة، تريد أن تراجع منوال التنمية ليكون توزيع الثروة في الدولة الاشتراكية أكثر عدلاً.
 إنّ الرؤية الصّينية الجديدة قد خلصت إلى أنّ تعاظم النمو الاقتصادي، لا يعني بالضرورة وجود تنمية شاملة في المجتمع الصيني، ومن هنا جاءت الحاجة إلى إعادة النظر في المنوال التنموي من أجل تعزيز النمو الاقتصادي، وفي سوق يبلغ تعداد سكانها 1.4 مليار نسمة، يمكن للصين المراهنة على السوق المحلّية لدفع نموها الاقتصادي، ولكن ذلك لن يتمّ على أسس صحيحة إلاّ بإعادة توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة بين أبناء الشعب الصيني الذين وعدتهم اشتراكيّة الزعيم ماوتسي تونغ بأنهم سيبلغون «الشطر السماوي»، وسيغادرون «الشطر الجهنّمي»، عندما تتولى الاشتراكية قيادة البلاد، ولكن بعد نحو سبعة عقود، يجد الصينيون أنفسهم أمام تحدّ حقيقي، ألا وهو مراجعة اشتراكيتهم ربّما للمرّة الأولى، كما قال الرئيس شي.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"