إصلاح مجلس الأمن

22:34 مساء
قراءة دقيقتين

علي قباجه

بدأت أصوات عالميّة تتعالى أصداؤها لمواجهة استئثار الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ( الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا) التي تجتهد كلٌ على حدة في رهن  قرارات المجلس لتلبية مكاسبها الضيّقة؛ وخصوصاً بعدما أضحى النادي الدوليّ، الذي بيده قرار السلم والحرب، ويمتلك زمام الأمر والنهي في تغيير الكثير من الوقائع عالميّاً، منبراً للتجاذبات السياسيّة، بل وأمست مهامه مُقيّدة إلى حدٍّ كبير.

ولعلَّ أبرز هذه التجاذبات ما حدث في شأن الميثاق الأمميّ عندما تبنى إنشاء جهاز يتمتع بسلطات «البوليس الدوليّ» ووضع القوات العسكريّة اللازمة تحت تصرفه؛ بغية ردع العدوان وإعادة السلم إلى نصابه وتقليص الخلافات، بَيْد أنَّ مساعيه هذه لم تتحقق، بسبب «الفيتو» الذي نزع مضمون المجلس، واستغلته الدول الكُبرى لخدمة مصالحها في حال كان أيّ تحرك يمسُّ تحقيق مطامعها.

ليس هذا فحَسبْ فالتناقضات تطغى على كينونة الدول المُكونة لمجلس الأمن نظراً لتضارب السياسات والأهواء في أحيانٍ كثيرة، الأمر الذي يشكل عقبة كبيرة أمامه لمواكبة ما يشهده العالم من تحولات ونزاعات؛ فقد وقف مكتوف الأيدي أمام الصراعات التي تشهدها فلسطين وسوريا والعراق وإفريقيا الوسطى وأفغانستان وأوكرانيا وأزمة كاراباخ، وغيرها الكثير.

كلُّ هذه التناقضات والتقييدات وسلسلة الإخفاقات المتتالية أعدمت الثقة العالميّة بالمجلس، لتزداد الدعوات المُطالبة بإصلاحه؛ خصوصاً بعد تصريح رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة فولكان بوزكير الذي قال فيه بوضوح إن المجلس فشل في مناسبات عدة في تحمل مسؤوليته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، مُشيراً إلى أن المصالح المُتضاربة لأعضائه والاستخدام المتكرر لحق النقض، حدّا من فاعليّة هذا المجلس. حديثُ بوزكير الصريح لقي استجابة فرنسية «خجولة» بعدما أعربت عن تأييدها لمجلس يضم 25 بلداً، من دون أن تُبدي استعداداً بمنح حق «الفيتو» لدول جديدة، مُعتبرةً أنّه «موضوع حساس»، ليأتي هذا الموقف تالياً للتصريح «القنبلة» الذي فجّره ماكرون والذي رأى فيه أنَّ المجلس «لم يعُد ينتج حلولاً مفيدة».

فشلٌ وراء فشل يُلاحق المجلس، إذ إنّه أصبح يُمثل أداة إخضاع لبعض الدول، ووسيلة للتغطية على بلاد أخرى حسب ما تقتضيه الحاجة، بل إنّه - وعند الضرورة - تتجاهله الدول الخمس برمّته، كما فعلت الولايات المتحدة إِبان غزو العراق. لكن شعوب العالم باتت ترفض أن يُلعَب بمصائرها كأحجار على «لوحة شطرنج» لا يُستساغ لأحد اللعب على حدود مربعاتها إلّا خمس دول، كما تُخول قوانين اللعبة التي ابتدعوها بأنفسهم؛ مما يُمكنهم بالتبعيّة إلغاء إرادة 14 دولة أخرى وقتما تتطلب الحاجة في مجلس قوامه 15 عضواً. لهذا قررت دول العالم المتبقيّة أن تصرخ في وجه واقع لطالما تمسكت به أركان الدول الخمس، وما زالت لا تتوانى للتشبث بكراسيها والحفاظ على ما تتمتع به من امتيازات آنيّة عبر لائحة قراراته. فهل ستنجح إرادة ما يربو على 200 دولة بتحجيم صلاحيّات الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، أم أنَّ الأقوى سيبقى؟.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"