ما بين الصين وأستراليا أكبر من مجرد صادرات الحديد

23:52 مساء
قراءة 3 دقائق
كلايد راسل

كلايد راسل *

التصعيد الأخير بين الصين وأستراليا ليس خلافاً على شحنات الفحم أو الحديد، فالهجمات التي تستخدم فيها عبارات فظة وتهديدات علنية تعكس توترات لها أبعادها السياسية قبل الاقتصادية.

فبعد تهدئة لم تدم طويلاً بين الدولتين، عادت حرارة الهجمات السياسية إلى نقطة الغليان مؤخراً، حيث غرد متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بصورة مزيفة لجندي أسترالي يهدد طفلاً أفغانياً بسكين.

وجاء رد فعل رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون غاضباً، حيث طالب الصين بالاعتذار، في تحول عن الخطاب الذي ألقاه في 23 نوفمبر / تشرين الثاني والذي أشاد فيه ببكين لانتشال الملايين من مواطنيها من الفقر.

وقد صُدم الأستراليون من جميع الأطياف السياسية في الأسابيع الأخيرة بتقرير رسمي اتهم بعض أفراد وحدة القوات الخاصة الأسترالية بقتل المدنيين الأفغان بشكل غير قانوني أثناء انتشارهم خلال الصراع المستمر هناك منذ فترة طويلة.

وأثارت محاولة الصين فضح جرائم الحرب المزعومة ردود فعل لمعلقين في أستراليا، الذين سلطوا الضوء مجدداً على انتهاكات بكين لحقوق الإنسان ضد أقلية الإيجور في شمال غربي البلاد، فضلاً عن سخريتهم من استخدام مسؤول صيني منصة تويتر، وهي منصة محظورة من قبل حكام البلاد الشيوعيين.

وبينما تغذي اللقطات الانتقامية الرخيصة الغضب في بعض أقسام وسائل الإعلام، إلا أنها لا تفعل الكثير لمعالجة التوترات الأساسية بين البلدين، اللتين تربطهما علاقة تجارية ضخمة. فالصين هي أكبر مستورد للسلع في العالم، بينما أستراليا هي أكبر مصدر لخام الحديد والغاز الطبيعي المسال والذهب، وهي ثاني أكبر مصدر للفحم إلى الصين.

لكن العلاقات توترت منذ أن دعا موريسون إلى إجراء تحقيق دولي في منشأ فيروس كورونا وتعامل السلطات الصينية معه، حيث ظهر لأول مرة أواخر العام الماضي في مدينة ووهان، قبل أن ينتشر في جميع أنحاء العالم.

وسارعت الصين لفرض تعريفات جمركية على الشعير والمشروبات الأسترالية، وحظرت بعض واردات اللحوم، وأجلت عمليات التخليص الجمركي لشحنات الفحم لأسباب بيئية حسب زعمها.

وهناك عنصر مشترك بين كل هذه الإجراءات، فهي تستهدف السلع والمنتجات التي يمكن للصين الحصول عليها بسهولة نسبياً من الموردين الآخرين، وتسبب في ذات الوقت ألماً كبيراً للمنتجين الأستراليين لأن الصين مشتر رئيسي لها.

لكن الأمور لن تمر بسلام في الصين حيث بدأ التأخير في شحنات الفحم بالتأثير في أرباح شركات صناعة الصلب الصينية، نظراً للارتفاع الحاد في أسعار فحم الكوك غير الأسترالي، وهو الوقود المستخدم لتشغيل الأفران التي تحول خام الحديد إلى معدن.

من ناحية أخرى، يعطي الانخفاض في أسعار فحم الكوك الأسترالي ميزة للمنافسين الإقليميين في صناعة الصلب، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند. لكن السلعة الوحيدة التي لم تتأثر بما يجري هي خام الحديد، ربما لأنه الأكثر أهمية لكلا البلدين.

وتشتري الصين حوالي 70% من خام الحديد المنقول بحراً في العالم، وحوالي ثلثي الكمية مصدرها أستراليا، ما يعني أن صناعة الصلب الضخمة في الصين، ومحرك بنيتها التحتية والاقتصاد الذي يركز على البناء، تعتمد بشكل كبير على الخام الأسترالي.

وتُظهر البيانات الرسمية أن قيمة صادرات أستراليا من خام الحديد بلغت 102 مليار دولار أسترالي (75 مليار دولار) في السنة المالية 2019-2020، أي حوالي 40% من القيمة الإجمالية لجميع صادراتها السلعية.

ولم يكن للتوترات المستمرة أي تأثير ملحوظ على تجارة خام الحديد حتى الآن، حيث أظهرت بيانات«رفينيتيف» أن واردات الصين من أستراليا في نوفمبر قد تصل إلى 66 مليون طن، وهو نفس المستوى في أكتوبر. ومع استمرار الصادرات بنفس الكميات، ومع الارتفاع الحاد في الأسعار يعني أن أستراليا تكسب مبالغ قياسية من صادرات خام الحديد.

فقد ارتفع سعر الخام بنسبة 66% فوق أدنى مستوى سجله هذا العام عند 79.60 دولار للطن في 23 مارس، عندما كان جزء كبير من الاقتصاد الصيني في حالة إغلاق بسبب الجهود المبذولة لاحتواء انتشار فيروس كوفيد-19.

ومن غير المرجح أن يكون لدى أي من الطرفين استعداد لتعريض تجارة الحديد للعراقيل السياسية، ولكن السؤال هو: ما مدى ارتفاع مخاطر سوء التقدير من قبل الصين، بحيث يؤدي تحفيز الانتقام الشعبي الأسترالي لدرجة قطع صادرات خام الحديد رداً على التعقيدات الجمركية التي يواجهونها في الصين.

قد يتطلب الأمر إدراك الصين أن تكتيكاتها الجديدة لن تنجح في لي ذراع أستراليا، وأن تعمل كانبيرا من جانبها، على إيجاد طرق للتعامل مع نظام بكين المستبد دون أن تبدو ذليلة له، مع العلم أنها حريصة جداً على القيام بما يكفي لتهدئة التوتر.

* رويترز

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب في رويترز

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"