النفط الخام.. بين الضبابية والاستقرار

21:12 مساء
قراءة 4 دقائق

كلايد راسل *

من المرجح أن تظل أسعار النفط الخام حبيسة النطاق الضيق نسبياً الذي ساد خلال معظم فترات العام. حيث ينتظر المشاركون في السوق انقشاع بعض الضباب، وسط الكثير من الروايات المختلفة والعوامل المحركة، دون أي رؤية واضحة للمسار المقبل.

وخلال مؤتمر البترول لآسيا والمحيط الهادئ «أبيك»، الذي عُقد مؤخراً في سنغافورة، كانت كلمة «عدم اليقين» هي الوصف الرئيسي المستخدم لوضع السوق الحالي، حتى إن أحد المتحدثين نعته ب «الفوضوي». ولم يكن هناك إجماع واضح من المندوبين حول التأثيرات المختلفة في المنطقة الأكثر استيراداً للنفط الخام، والمحرك المحتمل للطلب العالمي على السلعة في السنوات المقبلة.

وسعى الحاضرون إلى الحصول على إجابات حول إنعاش الطلب الآسيوي على النفط، ودور الصين في دعم هذا الانتعاش، وتشديد أساسيات سوق النفط واحتمالات الركود العالمي.

وبينما تعكس المؤشرات الأخيرة للاقتصاد الأمريكي أداءً أقوى من المتوقع، فمن المرجح أن يؤدي تراجع انتعاش الصين إلى ما دون توقعات المحللين إلى إبقاء سوق النفط في حالة تأهب في المستقبل المنظور.

لكن، وعلى الرغم من الصورة المتباينة للاقتصاد الكلي العالمي، تتوقع «إس آند بي غلوبال» أن تظل أساسيات سوق النفط قوية في الربع الثالث، مع ارتفاع خام «برنت» بشكل حاد من حوالي 75 دولاراً للبرميل في يوليو/تموز إلى أكثر من 90 دولاراً اليوم.

إضافة إلى ذلك، كانت التحركات الأخيرة التي اتخذتها «أوبك» وحلفاؤها داعمة أيضاً لسوق النفط، حيث مددت المملكة العربية السعودية خفضها بمقدار مليون برميل يومياً حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول، ووافقت روسيا على خفض 300 ألف برميل يومياً. وسيراجع البلدان قرارات التخفيض شهرياً للنظر في تعميقها أو زيادة الإنتاج اعتماداً على ظروف السوق.

ويُعد التحول التدريجي المتزايد نحو استخدام المركبات الكهربائية من المخاوف التي تعترض الصناعة على المدى الطويل، وخاصة في الصين، التي قد تضطر إلى إنتاج كميات من البنزين أكثر بكثير من حاجة السوق المحلية، وبالتالي زيادة الصادرات.

ولفتت «إس آند بي» إلى أن السحب العالمي لمخزون النفط تراجع إلى متوسط مليوني برميل يومياً من منتصف يونيو حتى سبتمبر، ومن ثم سيتعدل قليلاً في الربع الرابع، قبل أن يزداد مجدداً مطلع العام المقبل. ووفقاً لهذا الاتجاه الأساسي، من المتوقع أن يناهز متوسط سعر خام برنت ال 83 دولاراً للبرميل مع نهاية الربع الثالث الجاري، ثم ينخفض إلى 81 دولاراً في الربع الرابع.

وبالنسبة للمستثمرين في السلع الأساسية، ومن بينها الصين أيضاً، فإن الارتفاع الأخير في أسعار النفط يعد دليلاً على أهميتها. وبهذا الصدد، تراجعت توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للصين من 5.5% إلى 5.2% لعام 2023، ومن 5% إلى 4.8% للعام المقبل. ويُعزى الانتعاش البطيء الذي لوحظ في الأرباع الأخيرة، وخاصة في القطاع الصناعي، إلى ضعف الطلب على الصعيدين الداخلي والخارجي. مع ذلك، من المتوقع أن تشهد البلاد، وبدعم من الاستهلاك الموسمي، ارتفاعاً في الطلب على النفط خلال شهري سبتمبر وأكتوبر من هذا العام، فضلاً عن اقتراب أعياد منتصف الخريف واليوم الوطني التي تحفز السفر البري والجوي، مما سيرفع الطلب على البنزين ووقود الطائرات.

في الأثناء، ومع تحول روسيا لتصبح المورد الأول للنفط الخام إلى الهند، بحث المشاركون في «أبيك» عن إشارات حول ما إذا كانت أحجام الاستهلاك قد وصلت إلى ذروتها أو تُنذر بالارتفاع. والأهم من ذلك، بحثهم أيضاً عن إجابات حول ما إذا كانت تدفقات النفط ستعود إلى أنماط ما قبل الحرب في أوكرانيا بمجرد انتهاء الصراع أم لا؟

وتستقبل الهند حوالي 1.82 مليون برميل نفط يومياً من روسيا، وهو ما يمثل حوالي 37.2% من إجمالي وارداتها من السلعة للفترة من يناير/ كانون الثاني إلى أغسطس/ آب. بزيادة كبيرة عن 470 ألف برميل يومياً العام الماضي، أي 10.2% من إجمالي الواردات آنذاك.

وبالنظر إلى موسم الأعياد المقبل، من المتوقع أن تظل واردات الهند من النفط الخام الروسي عند مستويات مرتفعة. ومن المتوقع أن تشكل الواردات نحو 40% من الإجمالي في عام 2023، أي حوالي 1.9 مليون إلى 2.2 مليون برميل يومياً، شريطة أن تظل الأسعار الروسية قادرة على المنافسة مقارنة بالمصادر البديلة في الشرق الأوسط وإفريقيا.

ورغم أن مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين والطاقة الشمسية برزت لاعباً مهماً في الآونة الأخيرة، لا يزال التركيز الرئيسي لمصافي التكرير على زيادة كثافة البتروكيماويات لضمان بقاء نماذج أعمالها مربحة في حال تأثير السيارات الكهربائية وغيرها من أشكال الطاقة النظيفة سلباً في الطلب على وقود المركبات.

وعليه، مع وجود درجة عالية من عدم اليقين بشأن التوقعات الاقتصادية العالمية واحتمال استمرار أسعار الفائدة المرتفعة والدولار الأمريكي القوي، سيواجه سوق النفط الخام عدداً كبيراً من المشكلات التي ينبغي حلها وتقييم تأثيرها بدقة أكبر، عندما تصبح معظم القضايا المطروحة أكثر وضوحاً بمرور الوقت.

*كاتب في «رويترز» متخصص بأسواق الطاقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/czh2m5f4

عن الكاتب

كاتب في رويترز

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"