الرئاسة الأمريكية والشرق الأوسط

00:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

ناجي صادق شراب

لا بايدن هو نفس بايدن، ولا الشرق الأوسط هو نفس الشرق الأوسط. نحن أمام مقاربة سياسية جديدة، بايدن الرئيس الجديد، وليس عضو مجلس الشيوخ أو نائب الرئيس، وأيضاً شرق أوسط جديد. متغيرات وتحولات سياسية تراوحت ما بين الاستراتيجية والبنيوية لحقت ببيئة السياسة الأمريكية الكونية، وفي بيئة السياسة بمنطقة الشرق الأوسط. هذه المعادلة هي التي ستفرز لنا تفاعلات السياسة الأمريكية في المنطقة، وتحدد أولوياتها والقضايا الرئيسية التي ستحظى بالاهتمام والقرارات السريعة. لا خلاف أن بايدن سياسي وصاحب خبره كبيرة بسياسات المنطقة، ويعرف دهاليزها، ويعرف قادتها، لكنه يأتي للحكم بعد إرث كبير تركته إدارة ترامب داخلياً وخارجياً. وتحديات تهدد روح أمريكا الواحدة، وحالة الانقسام المجتمعي ووباء كورونا. ستكون لهذه لتحديات الأولويات القصوى، وستبقى القضايا الخارجية مرهونة بها. 

ولا شك أن الشرق الأوسط، ورغم التراجع في أهميته الاستراتيجية العليا للسياسه الأمريكية، فإنه لا يمكن تصور تخلي الولايات المتحدة، تحت إدارة بايدن، عن هذه المنطقة، وإن تفاوتت ملفاته بالنسبة لإدارته. وقد يحتل الملف النووي الإيراني أولويه كبرى، والعمل على المحافظة على العودة إلى الاتفاق النووي، ولكن بلا شك سيكون بشروط تفاوضية جديدة، وأكثر شمولية. والعمل على استعادة العلاقات التقليدية مع أوروبا. أما غير ذلك فلا يعنيه كثيراً.. 

 ومن الملفات المهمة في المنطقة، والتي كانت أحد أسباب التوتر في العلاقات مع دول المنطقة، هو الموقف الداعم من «الإخوان»، ولا أعتقد أن بايدن قد يمارس نفس سياسة أوباما بعد التحولات الكثيرة التي لحقت بالحركة، واعتبارها مصنفه إرهابياً، ونجاح دول المنطقة في تحقيق درجة أكبر من الاستقرار وزيادة النشاطات الإرهابية في أوروبا، ولذلك هذا الملف سيتراجع بشكل كبير، لحرص إدارة بايدن على ألا يكون سبباً في توتر العلاقات بدول المنطقة التي ستكون حريصة عليها. ويبقى الملف الأكثر إلحاحاً ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومستقبل ما عرف ب«صفقة القرن»، وهل سيحظى هذا الملف باهتمام إدارة بايدن، علماً أنه لن يحقق اختراقاً كبيراً فيه، وأقصى ما يمكن تصوره في هذا الملف تقديم مبادرات طمأنة للفلسطينيين مثل استئناف المساعدات المالية، وفتح مكتب منظمة التحرير، واستئناف المساعدات لوكالة الغوث، وفتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، من باب تقديم المساعدات للفلسطينيين، مقابل أن يبادر الفلسطينيون إلى استئناف التنسيق الأمني والمدني، وهو ما حدث فعلاً بقرار السلطة للعمل به والعودة لطاولة المفاوضات، وكعادة سياسة بايدن معالجة الخلافات في غرف خاصة، فقد لا يعلن إلغاء صفقة القرن والتخلي عنها رسمياً، بل قد يسترشد بها نظراً لتسمك إسرائيل بها، وسيترك الأمر للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

 وحيث المنطقة تزدحم بالعديد من الملفات المتشابكة، وأبرزها أيضاً ملف العلاقات مع تركيا، وفي هذا الملف قد تلجأ إدارة بايدن لسياسة أكثر تشدداً وتصلباً مع تركيا، وقد لا تسمح لتركيا بممارسة سياستها التوسعية من دون قيد أو كابح، ولكنه لن يتجاهل دورها، إلى جانب الملفات المتعلقة باليمن، وملفات الحقوق والديمقراطية.

 وفي كل الأحوال، لن تكون إدارته إدارة ثالثه لأوباما، كما قال، إذ اختلفت التحديات والأولويات، أضف إلى قدرة أنظمة الحكم العربية على اتخاذ قراراتها بدرجة أكبر من الاستقلالية والتأثير. وستبقى منطقة الشرق الأوسط منطقة اهتمام، ولن تسقط أبداً من اهتمامات أي إدارة أمريكية، نظراً لأنها أصبحت اليوم، كما نرى، منطقة صراع وتنافس بين القوى الكبرى كالصين وروسيا، وسعي كل منهما لتثبيت نفوذها في المنطقة، وسيكون هذا على حساب المصالح الأمريكية العليا، وتراجع الدور الأمريكي عالمياً. وتبقى السياسة رهناً بقدرة دول المنطقة على التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"