مكاشفات عمرو موسى

01:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السناوي

عند مطلع القرن الجديد لم يخطر ببال وزير الخارجية المصري عمرو موسى، وهو ينتقل إلى الجامعة العربية أميناً عاماً جديداً، أنه على موعد مع أزمات وحروب تشبه الأعاصير والبراكين.

 بأي نظر موضوعي فإن العشر سنوات التي قضاها على رأس الجامعة العربية ما بين عامي (2001) و(2011)، كانت عصراً كاملاً من الأزمات والحروب والتحديات الوجودية اجتهد بقدر ما تسمح طبيعة مهمته وحدود دوره أن يخفف من وطأتها.

خلال تلك الفترة تم احتلال دولتين عربيتين، العراق وليبيا، وجرت عمليات عسكرية إسرائيلية واسعة في الجنوب اللبناني وقطاع غزة، وانفصل جنوب السودان وتأزمت قضية دارفور، وتراجعت القضية الفلسطينية، وبدا الأمن القومي العربي في حالة انكشاف غير مسبوق.

 ماذا حدث بالضبط عند مراكز صنع القرار في العالم العربي المأزوم؟ من يتحمل مسؤولية ما جرى من تهديم منهجي للمنطقة العربية بالتفكيك والتقسيم والاحترابات المذهبية والعرقية، أو ساعد عليه؟

 لا يمكن أن نتعلم شيئاً من تاريخنا المرير إذا لم نقرأ تجاربه بروح النقد والاعتراف بمواضع الأخطاء وأسبابها، ونعمل بقدر ما هو ممكن على تصحيح الأوضاع المختلة، التي سمحت باستباحة العالم العربي على نحو يفوق أشد الكوابيس رعباً.

 بقدر ما يتضمنه كتاب عمرو موسى الجديد «سنوات الجامعة العربية»، الذي صدر عن دار الشروق قبل أيام، من مداخلات مسهبة على الطريقة التي نظر بها للأزمات والحروب، شهاداته وحواراته وانطباعاته، مستنداً إلى محاضر جلسات قمة ومداولات وزراء خارجية عند احتدام الأزمات، فإنه أقرب إلى كشافات تضيء بعض ما هو خاف ومعتم في قصة ما جرى.

كأي شهادة على التاريخ، من موقع المسؤولية، فإنها تكتسب قيمتها من اسم صاحبها وقدر دوره في حركة الحوادث.

 قبل أن يستقر على مقعده في الجامعة العربية هبت أول الأعاصير، هي أحداث 11 سبتمبر 2001، التي أفضت تداعياتها إلى «شيطنة العالم الإسلامي» وأحاديث صراع الحضارات.

 جرى توظيف الحادث المروّع، الذي ضرب برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، لمقتضى استراتيجية أمريكية جديدة في الإقليم عملت على إعادة رسم خرائطه السياسية بتقويض العراق كقوة عربية مركزية في المشرق العربي. بتعبير عمرو موسى كان ذلك انقلاباً حاداً في التوجهات والأولويات الأمريكية.

 ما مدى فاعلية أدوار الجامعة العربية لمنع احتلال بغداد؟ لماذا أخفقت مهمة الأمين العام في منعها؟

هذه ليست مشكلته، فهو يتحرك في حدود ما تتيحه أمامه تناقضات النظم العربية من مساحات حركة ومناورة.

 تحدث باستفاضة عن الدور الذي لعبه في إضفاء شرعية عربية على مجلس الحكم الانتقالي، الذي نشأ بأعقاب احتلال العراق. في تسويغ ذلك الدور قال إنه قصد منع الفراغ السياسي، وسمح للعراقيين بالمضي قدماً في العملية السياسية. لم يكن ذلك اختياره، بقدر ما كان ضغطاً من دول عربية بعينها وجد في البيئة العامة داخل الجامعة ما يزكيه.

 كان ذلك خطأ سياسياً واستراتيجيا فادحاً، حيث أسس للمحاصصات المذهبية، وأضفى نوعاً من الشرعية على نظام حكم أنشئ بقوة سلطة الاحتلال. كما أسس لاحترابات أهلية أخذت من البلد عافيته وأدواره، وأحالت الديمقراطية إلى مسخ والحداثة إلى خيال مآتة، وأفسحت المجال واسعاً لتدخلات إقليمية في أدق شؤونه.

 وفي ما يروي فإنه تمكن من تجنيب العراق مغبة نزع الهوية العربية عنه في الدستور الانتقالي.. اعترض وحاور واجتهد بصياغات مقترحة للحفاظ عليها.

 كل ما في هذا الكتاب يستحق التوقف أمامه بالحوار والنقاش ومضاهاة وثائقه وشهاداته بما تكشف تالياً.

 يستلفت الانتباه في كتابه قدر ما أولاه من اهتمام بالقضية الفلسطينية، مشيداً بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر على عكس ما تولد من انطباعات لاحقت الجزء الأول من سيرته الذاتية عن تجربته في وزارة الخارجية.

توقف عند حادثة منتدى «دافوس» عام 2009، التي نالت من شعبيته الكبيرة، بإيضاحات ومعلومات تكشفت تالياً، كأنه يرد اعتبار نفسه حين رفض الانسحاب مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان محتجاً على أنه لم يمنح الوقت الكافي أسوة بالرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، الذي كان يبرر العدوان على غزة.

أهم وأخطر ما تضمنه كتابه الجديد تلك المراجعة الشجاعة لأسرار وخفايا ما جرى في إدارة الأزمة الليبية، وكيف تعرضت الجامعة العربية لما أسماه «المصيدة» و«الخديعة» حين استخدم طلب تقدمت به لمجلس الأمن الدولي لفرض حظر جوي على الأراضي الليبية بذريعة حماية المتظاهرين المدنيين للغزو والاحتلال.

 كانت عبارة «اتخاذ جميع التدابير اللازمة»، التي استخدمت في ذلك الطلب «القنبلة التي فخخ بها قرار مجلس الأمن». أسس ذلك القرار لتدخل عسكري مباشر من حلف «الناتو».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"