عادي

اللقاحات.. سلاح الإنسان ضد الأمراض الوبائية

22:02 مساء
قراءة 6 دقائق
1

بينما تعتمد حكومات العالم وتسمح بعدة لقاحات لفيروس «كوفيد19-»، في خطوة تشكل بارقة أمل للقضاء على هذا الفيروس ووقف الجائحة التي أضرت كثيراً بالمجتمعات صحياً واجتماعياً واقتصادياً، قد يتساءل الكثير من الناس عن مدى أهمية اللقاحات في الواقع لحماية الصحة العامة. وفي هذا المقال، نجيب عن هذا السؤال من خلال النظر إلى الفوائد التي جلبتها اللقاحات لنا عبر التاريخ. 

جد الباحثون الذين ألقوا نظرة على اتجاهات تقبل اللقاحات في جميع أنحاء العالم، أن ثقة الناس بسلامة اللقاح وفاعليته قد ازدادت بشكل عام على مدى السنوات القليلة الماضية. ومع ذلك، أعرب الناس أيضاً عن قلقهم من أن السباق نحو تطوير لقاح لـ«كوفيد-19»، ربما أثار المزيد من التردد حول نوعية اللقاحات وفائدتها.

ويتساءل الكثيرون الآن عن سبب حرص الباحثين على دعم اللقاحات، وما إذا كانت هذه التطعيمات قد حققت حقاً الكثير من الإنجازات في مجال الصحة العامة. لذلك، نلقي في هذه المساحة نظرة على بعض اللحظات الحاسمة والرئيسية في تاريخ اللقاحات، وكيف أنها أحدثت ثورة في عالم الرعاية الصحية.

«التجدير»

تعمل اللقاحات عن طريق تعريض الجهاز المناعي لكمية صغيرة جداً من الفيروس أو «معلومات» عنه، من أجل تعليم الجسم على التعرف إليه والتصدي له. وفكرة تعريض الجسم لفيروس في بيئة مراقبة لتدريبه على الوقاية من العدوى، ليست بأي حال من الأحوال مفهوماً حديثاً. ففي القرن السادس عشر، مارس الأطباء الصينيون والهنود التطعيم ضد فيروس الجدري.

وتشير بعض الروايات من الصين في القرن السابع عشر، إلى أن الأطباء حاولوا التحصين من المرض، من خلال طحن قشور الجدري ونفخها في أنف المريض عبر أنبوب فضي. أما في أوروبا، فقد تم طرح التطعيم ضد الجدري، وهي عملية تعرف باسم «التجدير» (Variolation)، ونشرتها ليدي ماري وورتلي مونتاجي في أوائل القرن الثامن عشر.

وكانت مونتاجي زوجة السفير البريطاني لدى الدولة العثمانية، ومن عام 1716 إلى عام 1718، سافرت عبر أوروبا إلى القسطنطينية، إسطنبول حالياً، لتتعلم التجدير.

وقد تأثرت مونتاجي بشدة بمدى تأثير التجدير، لدرجة أنها جعلت ابنها يتطوع لأخذ لقاح الجدري أثناء وجودهما في القسطنطينية. واستمرت في الدعوة إلى هذا الإجراء عند عودتها إلى بريطانيا.

القضاء على الجدري

ودخلت كلمة «لقاح» (Vaccine) المعجم بعد فترة وجيزة، عندما بدأ الطبيب البريطاني إدوارد جينر بتجربة طرق متعددة للتلقيح ضد الجدري. وفي عام 1796، اكتشف جينر أن تعريض الناس لكميات صغيرة من فيروس جدري البقر، كان أكثر أماناً من تعريضهم لفيروس الجدري الذي يصيب البشر، كما كان فيروس جدري البقر فعّالاً أيضاً للوقاية من المرض. وهكذا، أصبح «التطعيم ضد فيروس» المصطلح الشامل الذي نستخدمه اليوم للوقاية من الأمراض المعدية.

وكان هذا الاكتشاف ثورياً في مجال الرعاية الصحية العامة في جميع أنحاء العالم، نظراً للتأثير الكارثي للجدري والذي استمر لعدة قرون.

وتصف منظمة الصحة العالمية الجدري بأنه «أحد أكثر الأمراض فتكاً الذي عرفتها البشرية»؛ حيث تسبب في وفاة ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم على مدار نحو 3 آلاف عام.

وتم القضاء على الجدري رسمياً في عام 1980، بفضل برامج التطعيم العالمية المتسقة. وفي الثامن من مايو/ أيار من ذلك العام، قالت جمعية الصحة العالمية في مؤتمرها الـ33، إن العالم وجميع شعوبه قد تخلصوا من الجدري. وفتك الجدري بحياة نحو 300 مليون شخص في القرن العشرين وحده، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

لُقاح MMRوقطعت منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية الوطنية في كل مكان أشواطاً كبيرة نحو القضاء على مخاطر الأمراض المعدية الأخرى، والتي في الأغلب تنتشر بسرعة بين الأطفال.

وتعد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية التي تعرف اختصاراً بـ(MMR) من أكثر الأمراض المعدية انتشاراً بين البشر، وهي قادرة على التسبب بالأوبئة إذا تركت من دون رادع.

وفي حين أنه من غير الواضح متى بدأ فيروس الحصبة بالانتشار بالضبط، يعتقد الباحثون أنه كان موجوداً منذ مئات السنين، ما تسبب بمئات الآلاف من الإصابات وآلاف الوفيات حتى القرن العشرين.

وطرح أول لقاح للحصبة في عام 1963، وأصبحت النسخة المحسنة منه متاحة في عام 1968.

ووفقاً للمركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، فإنه بفضل لقاح الحصبة، تراجع عدد الوفيات بسببه في جميع أنحاء العالم بنسبة 73% بين عامي 2000 و2018، وساهم اللقاح في منع حدوث نحو 23 مليون حالة وفاة خلال تلك الفترة.

وظهر أول لقاح للنكاف في عام 1948، على الرغم من أنه لم ينتج عنه سوى مناعة قصيرة الأجل ضد الفيروس، إلا أنه في عام 1967 ظهر لقاح محسن عنه ولا يزال يستخدم حتى يومنا هذا.

ووفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC): «كان النكاف سبباً متكرراً لتفشي المرض بين الأفراد العسكريين في عصر ما قبل اللقاحات، كما كان أحد أكثر الأسباب شيوعاً للإصابة بالتهاب السحايا والصمم الحسي العصبي، الناجم عن تلف العصب السمعي، في الطفولة».

وفي الولايات المتحدة وحدها، ظهرت ما لا يقل عن 186 ألف حالة إصابة بالنكاف سنوياً قبل إطلاق برنامج التطعيم الوطني في عام 1967.

وأوضح تقرير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية: «منذ إطلاق برنامج التطعيم بجرعتين لـMMR في عام 1989، انخفضت حالات الإصابة بالنكاف في الولايات المتحدة بنسبة 99%، مع تسجيل مئات الحالات فقط في معظم السنوات».

وظهر أول لقاح للعلاج من الحصبة الألمانية في عام 1969، وتم تطويره من قبل نفس الباحث الذي ابتكر لقاح الحصبة والنكاف، ألا وهو عالم الأحياء الدقيقة الأمريكي، موريس هيلمان. وأصبح لقاء الحصبة الألمانية أكثر أماناً وفاعلية في عام 1979.

وبفضل برامج التطعيم الوطنية المتسقة، تم القضاء على الحصبة الألمانية ومتلازمة الحصبة الألمانية الخلقية في الأمريكتين في عام 2016.

كما نجحت المملكة المتحدة في القضاء على الحصبة الألمانية في عام 2015، والحصبة في عام 2016، ولا تزال دول أخرى تعمل على القضاء على هذه الفيروسات.

وفي الوقت الحاضر، يمكن للأطفال الحصول على لقاح MMR، الذي يقي من هذه الأمراض الفيروسية الثلاثة. ويعطي مقدمو الرعاية الصحية هذا اللقاح على جرعتين، الأولى في عمر 12 إلى 15 شهراً، والثانية في عمر 4 إلى 6 سنوات.

التأثير المذهل للقاحات

وهناك لقاح آخر أحدث فرقاً هائلاً في الصحة العالمية وهو لقاح DTP (لقاح الدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي) ويتلقى الأطفال اللقاح على خمس جرعات.

ويمكن أن تسبب الدفتيريا صعوبات في التنفس وفشل القلب والشلل، ما يؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة.

وأصبح لقاح الدفتيريا متاحاً لأول مرة في عشرينات القرن الماضي، بعد أن تسبب في وفاة الملايين من الأطفال حول العالم. وفي عام 1921 وحده، ورد أن الوتدية الخناقية، البكتيريا المسببة للمرض، أدت إلى 206 آلاف حالة إصابة بالدفتيريا و15,520 حالة وفاة مرتبطة بها. ولكن بفضل عمليات التطعيم على نطاق واسع، انخفضت حالات الإصابة العالمية إلى الحد الأدنى، وأصبحت الدفتيريا «مرضاً غير معروف تقريباً» في الولايات المتحدة، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض.

وعادة ما يؤدي التيتانوس، المعروف أيضاً باسم الكزاز، إلى تشنجات وشد عضلات الفك، ما قد ينتج عنه المزيد من المشاكل الصحية، وظهر أول لقاح له في أربعينات القرن الماضي.

من جهة أخرى، تتسبب بكتيريا بورديتيلا بمرض السعال الديكي الذي يمكن أن يؤدي إلى أعراض شديدة ونوبات سعال تسبب مشاكل في التنفس. وكان هذا المرض منتشراً منذ القرن السادس عشر، وظهرت في الولايات المتحدة أكثر من 200 ألف حالة سنوياً قبل إطلاق برنامج التلقيح ضده في أربعينات القرن الماضي.

لقاح الإنفلونزا

ساهم لقاح الإنفلونزا الموسمية بالحد من المئات من حالات المرض الشديدة، ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن لقاحات الإنفلونزا حالت دون دخول نحو 58 ألف حالة مرتبطة بهذا المرض إلى المستشفى في الولايات المتحدة بين العامين 2018 و2019.

كما ساهمت لقاحات الإنفلونزا أيضاً بالحد من الأعراض الحادة لدى الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، مثل: أمراض القلب ومرض الانسداد الرئوي المزمن.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية «لدينا الآن لقاحات للوقاية من أكثر من 20 مرضاً تهدد الحياة» للمساعدة في حماية حق كل إنسان في التمتع بصحة جيدة.

ويعمل الباحثون باستمرار على زيادة هذا العدد من اللقاحات، بحيث يمتلك الجميع يوماً ما أفضل للبقاء بصحة جيدة لفترة أطول.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"