عادي

الخلايا الجذعية..أمل جديد لعلاج الأمراض المستعصية

00:06 صباحا
قراءة 7 دقائق
1

تحقيق : رانيا الغزاوي

باتت الخلايا الجذعية أملآ جديداً لعلاج العديد من الأمراض، بما فيها المستعصية، وأكدت الدراسات العلمية أن الحبل السري الذي كان في الماضي من الفضلات التي يتم التخلص منها بعد الولادة؛ أسهم عبر التطور الطبي الذي شهده العالم، في إنقاذ حياة بعض المرضى؛ عبر استخلاص الخلايا الجذعية الموجودة في دم الحبل السري، وبفضل هذا التطور؛ أصبح بمقدور الأطباء معالجة نحو 80 نوعاً مختلفاً من أمراض جهاز المناعة والدم والأمراض المزمنة والوراثية المستعصية، ويبحث الأطباء حالياً إمكانية استخدامها في علاج مرضى باركنسون (الشلل الرعاش)، والزهايمر، وإصابات الحبل الشوكي، والصدمات، والحروق، وأمراض القلب، والتهاب المفاصل، والشلل، ما يجعل الخلايا الجذعية الموجودة في الحبل السري تعد أملاً جديداً في العلاج لهذه الأمراض، ومن جانب آخر أثبتت الخلايا الجذعية التي تؤخذ من الأنسجة الدهنية في الجسم كفاءتها في علاج بعض حالات فيروس كورونا المستجد كعلاج مساعد، وهذا ما حققه مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، ليضاف هذا الإنجاز إلى قائمة نجاحات الخلايا الجذعية في التغلب على الأمراض.
وأوضح عدد من الأطباء في أبوظبي، أن كُلفة نقل وتخزين دم الحبل السري واستخلاص الخلايا الجذعية تراوح ما بين 8 آلاف و30 ألف درهم في المراكز والبنوك الخاصة المتخصصة في ذلك، فيما تفرض بعض هذه البنوك الخاصة ضعف هذا المبلغ ما يجعلها كُلفة مرتفعة ومبالغ فيها، وتصل فترة التجميد إلى 30 عاماً، فيما يمنع التخزين في حال كانت الأم تحمل بتوأم، أو مصابة بأحد الأمراض المعدية؛ كالإيدز وفيروس الكبد؛ لذلك يتم عمل سلسلة من الفحوصات؛ للتأكد من استيفاء الشروط، لافتين إلى أن آلية استخلاص الخلايا الجذعية من الحبل السري تختلف عن استخلاصه من نخاع العظم أو من دم الشخص نفسه كمرضى الكورونا والتي تعد خلايا ذاتية. وأكد الأطباء ضرورة تعزيز التوعية بين أفراد المجتمع المحلي بتخزين دم الحبل السري؛ لما له من فوائد ومردودات إيجابية كبيرة تعود على الأسرة مستقبلاً والمجتمع، محذرين من التعامل مع بعض الشركات الخاصة التي تقوم بتخزين دم الحبل السري خارج الدولة في أماكن مجهولة، مقابل مبالغ مالية طائلة.
تقول الدكتورة سهى سعيد استشارية أمراض النساء والتوليد ورئيسة القسم بمستشفى الكورنيش في أبوظبي: «تعد الخلايا الجذعية خلايا شبيهة بخلايا نخاع العظام، وتساعد الإنسان في إنتاج خلايا العظام والغضاريف والعضلات وخلايا الكبد والخلايا التي تشكل بطانة الأوعية الدموية، ولديها أيضاً قدرة على إنتاج خلايا عضلات القلب، ويمكن أن تشكل بديلاً ناجحاً في المستقبل لعلميات زراعة القلب، كما تتميز بقدرة عالية على مقاومة ظروف التجميد لسنين طويلة، فيما تتيح الخلايا الجذعية المستخلصة من دم الحبل السري والمشيمة، معالجة مرضى السرطان عن طريق إعطاء هذه الخلايا له قبل أن يلجأ الطبيب إلى معالجته بواسطة الكيماوي والأشعة النووية، كما أن توفر الخلايا الجذعية؛ يوفر على المريض تدخل الأطباء جراحيّاً لاستخراج هذه الخلايا من نخاع العظام، وتتميز خلايا الحبل السري الجذعية بأن احتمالات رفضها أقل بكثير من خلايا نخاع العظام التي يمكن أن يتم رفضها إذا تم زرعها من شخص لآخر».
وتوضح: إن مستشفى الكورنيش، يتيح للأمهات الراغبات بحفظ دم الحبل السري القيام بذلك، من خلال التعاون الذي يتم مع مركز دبي لدم الحبل السري والأبحاث بمستشفى لطيفة وهو الأول على مستوى الدولة الذي يقدم هذه الخدمة منذ عام 2006، الذي تبلغ كُلفة تخزين الخلايا المستخلصة من الحبل السري فيه 8 آلاف درهم لمدة 30 عاماً، وألف درهم كُلفة الصندوق الذي يتم نقل الحبل السري فيه إلى المختبرات هناك للتعامل معه.
 أهمية بالغة
وترى الدكتورة خلود العوضي اختصاصية أمراض النساء والتوليد والإخصاب في إحدى منشآت شركة «صحة» في أبوظبي، أهمية بالغة للخلايا الجذعية التي يتم استخلاصها من دم الحبل السري أو المشيمة، ويعد حفظ هذه الخلايا نوعاً من التأمين ضد حوادث وأمراض المستقبل الخطرة مثل سرطان الدم وسرطان الثدي والرئة، إضافة إلى بعض أمراض الدم كاللوكيميا والأنيميا المنجلية وبعض أمراض المناعة.
وتشير إلى أن الأم الراغبة بحفظ دم الحبل السري، يجب أن تبلغ المستشفى قبل شهرين من الولادة، حتى يتم إجراء الفحوص المناسبة لها، بالتعاون مع المركز أو الشركة التي ستقوم بحفظ دم الحبل السري وتجميده واستخلاص الخلايا الجذعية منه؛ للتأكد من خلوها من إصابات بالأمراض المعدية كالإيدز وفيروس الكبد البائي أو وجود رد فعل تحسسي، وفحوصات أخرى منها التأكد من خلو الجنين من أحد الأمراض الوراثية أو المناعية؛ وذلك ضمن المعايير التي وضعتها الهيئات الصحية، لافتة إلى أن الآلية التي يقوم بها الطبيب بمجرد خروج الطفل مباشرة وقبل خروج المشيمة، تتمثل بوضع مشبكين على الحبل السري في موضعين، ثم يتم قطعه، وبعدها يتم إدخال حقنه خاصة ليتم من خلالها سحب الدم من وريد الحبل السري بنحو 40 ملليمتراً من الدم، ويوضع هذا الدم في أنبوب مخصص له، ثم يتم إرساله للشركة المتخصصة أو المركز الذي تم الاتفاق معه بتصفية وتنقية دم الحبل السري واستخلاص الخلايا الجذعية وحفظها لأعوام عديدة، وتستغرق هذه العملية من دقيقتين إلى 4 دقائق، ولا تسبب أي ألم للأم أو للمولود، وقد يقوم البنك أو الشركة المتخصصة بإرسال أنابيب للمستشفى وقت الولادة؛ لأخذ عينة من دم الأم، ومعها التعليمات الخاصة بتجميع الدم في هذه الأنابيب.
الوقاية من الأمراض
من جانبه، يقول الدكتور جلال مروان الشريف أخصائي أمراض النساء والتوليد بمستشفى دانة الإمارات للنساء والأطفال في أبوظبي: «يتم استخلاص الخلايا الجذعية من دم الحبل السري الذي يحتوي على كريات الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية، وتسهم في علاج الأمراض المزمنة والمستعصية التي قد تصيب بعض الأشخاص في المستقبل ومنها أمراض الدم كسرطان الدم وفقر الدم المنجلي والثلاسيميا، وتعد من أكثر الأمراض المنتشرة في دول المنطقة وشرق البحر المتوسط، وبحسب أحدث الإحصاءات توصل العلماء إلى أن الخلايا الجذعية بإمكانها معالجة 80 مرضاً منها أمراض الدم والأمراض المزمنة، وحالياً تجرى دراسة إمكانية علاج عدة أمراض متعلقة بالدماغ ومرض السكري والتوحد، وحالات إعاقة كثيرة تتضمن مرضى باركنسون (الشلل الرعاشي)، والزهايمر، وإصابات الحبل الشوكي، والصدمات، والحروق، وأمراض القلب، والتهاب المفاصل، والشلل الرباعي، كما كشفت الدراسات الحديثة إمكانية مساهمة الخلايا الجذعية المستخلصة، في الوقاية من الإصابة بأمراض الدم وعدة أنواع من السرطان.
ويلفت إلى أن الدراسات الحديثة تبحث، إمكانية استنساخ الأعضاء مستقبلاً، كاستنساخ البنكرياس بما سيخدم مرضى السكري من النوع الأول، بتعويضهم عن سبب المرض وهو توقف البنكرياس عن عمله، أو إمكانية استنساخ المبايض في حال توقفها عن العمل بكفاءة عند السيدات، وبذلك ستساعد من يعانون الرفض المناعي للأعضاء عند تلقيها من متبرعين؛ كونها مطابقة لنفس خلاياهم وبالتالي سيتقبلها الجسم من دون مقاومة.
وعن البيئة التي يتم فيها حفظ الخلايا بعد التأكد من صحتها ومطابقتها، يبين أنه يتم تجميد الخلايا الجذعية؛ عبر أجهزة خاصة، تنخفض درجة البرودة فيها إلى (196 تحت الصفر )؛ حيث تحفظ بغاز النيتروجين السائل، ويقتصر دور المستشفيات فقط على قيام الطبيب باستخلاص الدم من الحبل السري أو إعطاء الحبل السري كما هو إلى شركة أو مراكز متخصصة تقوم بنقله إلى المختبر؛ لاستخراج الخلايا الجذعية منه ثم تجميده في البنوك، وجميعها حاصلة على تراخيص من وزارة الصحة ووقاية المجتمع.
ويلفت إلى أنه على الرغم من توفر خدمة سحب دم الحبل السري في كثير من المستشفيات بالدولة ومنها مستشفى دانة الإمارات في أبوظبي، واتفاق ألأطباء على أن منافعها كثيرة، لكن ما يزال عدد الراغبين بإجرائها قليل جداً؛ حيث يرى البعض أنها مرتفعة الكُلفة وغير مجدية؛ لذا تتجه المستشفيات حالياً لزيادة التوعية ورفع الإقبال عليها.
ويوضح الدكتور فادي الهاشم استشاري أمراض النساء والتوليد في أبوظبي، أن كُلفة تخزين دم الحبل السري وتجميده في المراكز والبنوك الخاصة لعدة سنوات تصل إلى 30 عاماً تراوح ما بين 20  30 ألف درهم، وبعضها يفرض ضعف الكُلفة نظير الحصول على هذه الخدمة، مشيراً إلى أن البنوك العامة كمركز دبي لدم الحبل السري والأبحاث، كلفتها معقولة، كما تتيح لأي محتاج أن يستفيد من الدم المخزن من باب التبرع وبعلم الوالدين، وقد يتم استخدام هذا الدم في الأبحاث كذلك، فيما تقوم البنوك الخاصة بتخزين الدم لمصلحة المتبرع نفسه أو أفراد عائلته، وكلفة التخزين في هذه البنوك كبيرة، حيث يتم دفع كلفة لمعالجة الخلايا وأخرى للتخزين، لافتاً إلى أن بعض الشركات الخاصة تتعامل مع المسألة من منطلق تجاري بحت، من دون مراعاة واحترام لأخلاقيات مهنة الطب و للجوانب الإنسانية.ويحذر من التعامل مع الشركات الخاصة التي تقوم بتخزين دم الحبل السري خارج الدولة، مقابل مبالغ مالية طائلة، لافتاً إلى أن الكثير من هذه الشركات تفتقر إلى الإمكانات والتقنيات المتطورة المطلوبة.
وتؤكد الدكتورة لمياء عبد الرؤوف إبراهيم أخصائية طب النساء والتوليد في أبوظبي، أن الدراسات قد أثبتت أن الخلايا الجذعية التي يتم استخلاصها من دم الحبل السري تساعد في شفاء الأشقاء الذين يعانون أمراض الدم كاللوكيميا أو الأمراض الوراثية كالسكري من النوع الأول؛ بحيث يتم استخدام الخلايا الجذعية التي استأصلت من مولود في علاج أشقائه شرط وجود توافق في الأنسجة والخلايا حتى لا يحدث أي رفض لها من قبل المتلقي، حالها كحال الأعضاء التي تتم زراعتها، وهذا ما يتم معرفته في الفحوصات المسبقة قبل الولادة، مبينة أن بعض العائلات التي لديها أبناء تعاني أمراض الدم، تتعمد إجراء تلقيح صناعي ليحدث حمل، على أمل أن يكون الطفل الجديد الأمل لعلاج أحد أشقائه المصابين بتلك الأمراض، وبالتالي تجري متابعة الجنين خلال الحمل عبر الفحوص المتطورة، للتأكد من خلو الجنين الجديد من المرض، وعند الولادة يستخدم دم الحبل السري؛ لعلاج هؤلاء الأطفال.
آليات استخلاص الخلايا
من جهتها، تؤكد فاطمة عبده التي تعمل تقنياً فنياً في مختبر مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، وجود فرق بين آلية استخلاص الخلايا من دم الحبل السري والأنسجة الدهنية في الجسم، وبين العلاج المساعد بالخلايا الجذعية لمرضى كورونا المستخلص من دم المرضى أنفسهم.
وتوضح أن علاج فيروس كورونا بالخلايا الجذعية آمن تماماً ويستغرق مدة 4 ساعات منذ بداية الإجراء وحتى وصول العلاج للمريض، فيما كشفت التحليلات الإضافية أن المرضى الذين تم علاجهم بالخلايا الجذعية تماثلوا للشفاء في أقل من 7 أيام بمعدل 3.1 مرة أسرع مقارنة بأولئك الذين تلقوا العلاج التقليدي فقط.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"