حزم الإنقاذ.. إلى متى؟

22:51 مساء
قراءة 3 دقائق
آراء وتحليلات
آراء وتحليلات

د. محمد الصياد *

في تقريره السنوي الذي نشره يوم الاثنين 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أوضح صندوق النقد الدولي أنه منذ تفشي وباء فيروس كورنا في العالم، بلغ إجمالي ما تعهدت الحكومات والبنوك المركزية بإنفاقه، 19.5 تريليون دولار، منها ما يقرب من 12 تريليون دولار أعلنتها الحكومات، ونحو 7.5 تريليون دولار للبنوك المركزية؛ ضمن إجراءات تحفيز اقتصاداتها التي شملت خفضاً للضرائب، وتعويض العاملين عن جزء من فاقد أجورهم، ومنح قروض ميسرة للشركات الصغيرة، وخفض أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية. ومع ذلك، وبحسب الصندوق، لا يزال بعض البلدان تحتاج إلى مزيد من المساعدة للتعافي من الأزمة، من دون أن تتمكن من الحصول عليها؛ ولا يزال الاقتصاد العالمي يعاني أسوأ ركود منذ الكساد الكبير.

وفي حين يعطي لقاح كورونا أملاً كبيراً بعودة الاقتصادات الوطنية إلى التعافي، إلا أن ذلك لن يحدث بسرعة، بل سيحتاج الأمر إلى مزيد من الإنفاق لاستدراك الوقت الإنمائي الضائع. وإذا لم تتوفر مثل هذه الأموال، فإن الضرر سيصبح مضاعفاً. وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، كانت الحكومة الأمريكية والكونجرس قد أقرّا وأنفقا حتى شهر مايو/ أيار 2020، 4 حزم إنقاذ مالي، بإجمالي 2.4 تريليون دولار. وقدَّر حينها مكتب الميزانية في الكونجرس أن يصل إجمالي الحزم المالية بنهاية العام إلى 4.7 تريليون دولار. ويوم الأحد 20 ديسمبر/ كانون الأول، أقر الكونجرس مشروع قانون حزمة إنقاذ مالي جديدة بقيمة تقرب من 900 مليار دولار، يبدو أنها ستكون من نصيب عهد الرئيس الجديد جو بايدن، (وضع الرئيس ترامب فيتو رئاسي عليها)، لحقن المزيد من «الدماء» لإغاثة دورة الاقتصاد، في صورة إعانات بطالة، حيث وصل عدد متلقيها حتى شهر مايو/ أيار إلى نحو 20.2 مليون أمريكي.

وحتى أكتوبر/ تشرين الأول 2020، التزمت معظم الدول الأعضاء في مجموعة العشرين بحزم تحفيز مالي ضخمة للغاية بنسبتها إلى إجمالي نواتجها المحلية، وكانت أكبرها في اليابان إذ بلغت نحو 117.1 تريليون ين، (نحو 1.132 تريليون دولار)، أي ما يوازي نحو 21.1% من ناتجها المحلي الإجمالي. وإضافة إلى الولايات المتحدة التي بلغت نسبة ما أنشأته من حزم مالية منذ بداية الجائحة إلى اجمالي ناتجها المحلي، 13.2%، هناك كندا بنسبة 16.4%، وأستراليا بنسبة 14%، وتركيا بنسبة 12.8%، والبرازيل بنسبة 12%، وألمانيا بنسبة 8.9%، والصين بنسبة 7%، والهند بنسبة 6.9%، وفرنسا بنسبة 6%، والأرجنتين بنسبة 6%، وإيطاليا بنسبة 4.9%.

بيد أنه على الرغم من الحجم غير المسبوق لهذه الأموال المُنفقة لإنقاذ الاقتصادات من الغرق، والخفض الكبير للضرائب، والتكفل بدفع جزء من الأجور، ومنح القروض للشركات الصغيرة، وخفض أسعار الفائدة إلى مستويات قريبة من الصفر، فإن الاقتصاد العالمي يبقى يعاني أسوأ ركود منذ الكساد العظيم، ولا يزال النشاط الاقتصادي والتوظيف في أجزاء كبيرة من العالمين، المتقدم والنامي، تحت تهديد الإغلاقات الكلية، والجزئية. خصوصاً مع عودة حبس الأنفاس بظهور سلالات جديدة للفيروس في بريطانيا التي اضطرت إلى اللجوء إلى خيار اعتزال العالم بغلق الحدود البرية، والبحرية، والجوية، مؤقتاً، لحين استعادة السيطرة على الفيروس بسلالته المتجددة. وهذا يعني بطبيعة الحال، تراجع أفق الاستغناء عن حقن الإنقاذ المالي حتى الأشهر الستة المقبلة على أحسن تقدير.

فهل هذا يعني أن حزم الإنفاق المالي ستبقى، رياضياً، بلا نهاية «Infinity»، (مفهوم رياضي تجريدي يستخدم لوصف شيء لا نهاية له، أو لا حدود له)؟ ليس تماماً، إنما هكذا تبدو الأمور، على الأقل في المدى المنظور. ذلك لأن الاستغناء عنها يفترض استعادة التوازن المالي المختل بصورة فادحة، من خلال سداد كامل قيمتها من فائض إجمالي الناتج المحلي السنوي. وهذا سيتطلب سنوات إذا ما قُدر للدورة الاقتصادية العالمية (وترتيباً دورات الاقتصادات الوطنية، بحسبان الرابطة المتينة بين حالة الاقتصاد العالمي والاقتصادات الوطنية)، أن تنتظم بصورة طبيعية من دون أن تعترضها مطبّات هنا، أو هناك. ولهذا، فإن هذه الديون (الناتجة عن الإصدارات المتوالية لحِزم الإنفاق)، تُنسب إلى إجمالي الناتج المحلي.. لأنها تعني أنه سيتعين على الدولة المصدِرة لها، المَدينة بها في هذه الحالة، سدادها من أجمالي ما ستنتجه من سلع وخدمات في السنوات المقبلة. 

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"