محنة بريطانيا جراء «بريكست» بدأت للتو

22:13 مساء
قراءة 3 دقائق
بريكست

* بلومبيرج

أشهر من المفاوضات المضنية أسفرت عما يسمى بـ«صفقة التجارة الهزيلة» اتفاقية التجارة الحرة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، التي أُعلن عنها بعد شهور من المحادثات المتقطعة وقبل أيام من انتهاء الترتيبات الانتقالية لبريكست، هي بالتأكيد أفضل من الحل البديل. فالانفصال بدون اتفاق أسوأ للجانبين ومع ذلك، فقد تمت تسويته بنتائج أقل مما كنا نعتقد.
التصديق عليه حسب الأصول من قبل الحكومات والبرلمان الأوروبي، مرحلة واحدة في عملية لا نهاية لها من المفاوضات الإضافية. وقد يكون هذا هو الجانب الأكثر حزناً في المغامرة برمتها. فلطالما أراد الكثيرون في بريطانيا التحرر من الاتحاد الأوروبي، والتوقف عن التعامل معه، والتحدث عنه، والاضطرار إلى التفكير فيه. إلا أن أكبر مغالطة في الخروج هي أن كل ما ذُكر سيكون ممكناً وفي أي وقت.
أسفرت أشهر من المفاوضات المضنية إلى ما يسمى ب «صفقة التجارة الهزيلة»، وهذا يمنح بريطانيا والاتحاد الأوروبي وصولاً خالياً من الرسوم الجمركية والحصص إلى سلع بعضهما. وهذا أفضل من لا شيء، ففرض الرسوم كان من الممكن أن يؤدي إلى حدوث اضطراب كبير في آلية عملهما.
لكن التعريفات والحصص ليست هي العقبات الوحيدة أمام التجارة. حتى مع هذه الصفقة، ستؤدي البيروقراطية الحدودية وغيرها من الحواجز إلى تأخير وتعطيل تدفق البضائع، إضافة إلى تكلفة كبيرة لكلا الجانبين.
صحيح أنه بمرور الوقت قد يؤدي المزيد من المحادثات إلى إزالة بعض تلك العقبات، ولكن إذا كنت من مؤيدي خروج بريطانيا، فهذه هي المشكلة، «المزيد من المحادثات».
بموجب شروط هذه الصفقة، ستكون هناك حاجة إلى مناقشة مكثفة عندما يغير الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة لوائحهما الاقتصادية بطريقة يعتقد أي من الجانبين أنها تضعه في وضع غير موات. غالباً ما كانت اتفاقية التجارة الحرة تهدد بالانهيار بسبب هذه القضية، وهي أكثر أهمية بكثير للاقتصادات المعنية وأصعب حلاً من الخلاف السخيف حول الأسماك. في النهاية، اتفق الجانبان على قواعد تحكم قدرتهما على الحد من السلوك الذي يعتبرانه ضد المنافسة، مع إجراءات تحكيم جديدة لحل النزاعات.
في المستقبل، سيراقب كل جانب السياسات التنظيمية للطرف الآخر. وضع في اعتبارك أن جزءاً صغيراً فقط من اقتصاد المملكة المتحدة مخصص لإنتاج السلع. فقطاع الخدمات هو السائد، والتجارة فيها غير مشمولة في الصفقة.
أصبحت الخدمات قابلة للتداول بشكل متزايد عبر الحدود، وهي حقيقة يعتمد عليها مستقبل مدينة لندن. وكانت المفاوضات بشأن التجارة في الخدمات بشكل عام، والخدمات المالية على وجه الخصوص، تسير ببطء. ولم يعد طموح أوروبا في نقل جزء كبير من أعمال لندن إلى القارة خافياً على أحد.
سيقود الاتحاد الأوروبي صفقة بشأن التعاون التنظيمي من الصعب تحديد نتيجتها. شيء واحد فقط هو الواضح، «المزيد من المحادثات».
من المسلّم به أن الخروج يمنح المملكة المتحدة مقياساً جديداً للحرية في تصميم سياساتها الخاصة عبر مجموعة واسعة من القضايا. يعتمد مقدار التكلفة التي ينتهي بها الأمر على مدى جودة استغلال بريطانيا لهذه الفرص.
بغض النظر عن كل ذلك، فإن العلاقات مع أوروبا، جارة بريطانيا التي يبلغ عدد سكانها 450 مليون نسمة، وأهم شريك اقتصادي وأمني لها، ستهيمن دائماً على السياسة البريطانية.
يعني خروج بريطانيا من الكتلة إدارة هذه العلاقة من الخارج، والتعامل كطرف أدنى مع اتحاد أوروبي منشغل بالتضامن وتكثيف الجهود، بدلاً من إدارتها من الداخل واغتنام الحقوق والفرص الإضافية التي يوفرها ذلك.
كل شهور الخلاف التي أدت إلى هذا الاتفاق، والمفاوضات التي صورت بريطانيا كمتوسل ضعيف، وليس كشريك على قدم المساواة، انتهت بصفقة، ولكن بالتأكيد ليس بصفقة تحرير بريطانيا. هذه العملية المرهقة إنما هي مجرد مقدمة لما سيأتي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"