هل يشبهنا أبطال القصص؟

00:29 صباحا
قراءة دقيقتين

 

هل حدث أن شعرتم بأن بعض أبطال القصص، أو الروايات، وحتى المسرحيات، أو الأفلام، يشبهونكم، على الأقل في أشياء، أو حتى في شيء واحد؟ هل قلتم لأنفسكم: كأن كاتب هذا العمل يكتبنا، كأنه يعرفنا، كأنه يلتقط تفاصيل عنا، حتى لو لم ننتبه إليها من قبل، فأتى لينبهنا إليها، كأنه قال ما نرغب في قوله، ولكننا لسنا كتاباً مثله، أو أنه رأى أموراً تخصنا، لكن كنا بحاجة لمن يلفت نظرنا إليها، ليرشدنا إلى أنفسنا، إلى زوايا دواخلنا، قد نعرف أنها موجودة، لكننا لم نفكر، قبل ذاك، في إضاءتها؟
 قد تتناسل الأسئلة، فنقول: من أرشده إلى ذلك؟ كيف فطن إليه؟ وقد نسأل أيضاً: ألهذه الدرجة يتشابه البشر؟ فما نحسبه أمراً خاصاً بنا، لا يعرفه أحد عنا، حتى أقرب القريبين إلينا، نكتشف أنه موجود لدى الآخرين، بصورة، أو بأخرى، أو ربما حدّ التطابق. هل تجليات الحزن والفرح، الخيبة والأمل، التوق واليأس، واحدة عند كل البشر، وأن الكاتب حين يصف هذه التجليات عند أبطال قصته أو روايته يكون قد وصف حالاً عامة، لا تخص فرداً بعينه، وإنما تعني الجميع، وأن الفروق، وإن وجدت، إنما هي في تفاوت المهارة في الإفصاح عن تلك المشاعر، وأيضاً في تفاوت القدرة في سبل التعامل معها؟ ربما لهذا السبب بالذات، نحن نحبّ الكتاب الذين يقولون ما كنا نرغب في قوله، أو يصفون مشاعر وهواجس في دواخلنا أكثر من غيرهم من الكتاب، وأن نقول عن كتاب من الكتب: وجدنا أنفسنا فيه، ونقول العكس عن كتاب آخر: لم نجد أنفسنا فيه؟ أو أن نشعر بالألفة ونحن نقرأ كتاباً، فيما نشعر بالغربة ونحن نقرأ كتاباً آخر.
فور رجوع نادية، بطلة قصة أنطون تشيخوف «بعد المسرح» من مشاهدتها أوبرا «يفجيني انيجين» للموسيقار تشايكوفسكي وكتابة الكسندر بوشكين، وبعد أن غيّرت ملابسها، جلست إلى الطاولة لتكتب خطاباً كذاك الذي كتبته البطلة في الأوبرا التي شاهدتها، وإذا كانت الأخيرة كتبت خطابها إلى شخص بعينه كانت تحبه لكنه لا يبادلها نفس المشاعر، فإن نادية البالغة ستة عشر عاماً فقط، كتبت وهي تحاكي البطلة، إلى شخص افترضت أنها تحبه.
وكما كتبت بطلة بوشكين – تشايكوفسكي، كتبت نادية للحبيب المتخيل: «إنني أحبك ولكنك لا تحبني. لا تحبني.. كف عن تأكيد أنك تحبني».
هل وجدت نادية نفسها في بطلة الأوبرا، هل شعرت بأنها تشبهها، أم، أنها فقط رغبت في محاكاتها؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"