تداعيات صدمة الكابيتول

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السناوي

لم يكن ممكناً لأحد من صناع السينما في هوليوود أن يخطر بباله سيناريو مشابه لما حدث بالفعل في الكابيتول، مركز الديمقراطية الأمريكية، ورمز مؤسستها، من حوادث اقتحام، وأعمال عنف وتخريب لمنع تصديق مجلسي الكونجرس على انتخاب رئيس جديد بتحريض من رئيس انتهت ولايته، ولا يريد أن يغادر مقعده.

 بدت الديمقراطية الأمريكية «هشة» – بتعبير الرئيس الديمقراطي المنتخب «جو بايدن»، والولايات المتحدة كإحدى «جمهوريات الموز» – بتعبير آخر للرئيس الجمهوري الأسبق «جورج دبليو بوش».

 وأسوأ ادعاء ممكن، أن صدمة الكابيتول توقفت بالسيطرة الأمنية على المكان والتباري في إدانة تلك الجريمة الشنعاء، والمضي قدماً في إجراءات التصديق على انتخاب «جو بايدن» رئيساً جديداً للبلاد.

 وفي لحظة واحدة تجلت نزعتان متناقضتان. أولاهما، نعت بالشماتة الديمقراطية الأمريكية، كما لو أنها استحالت إلى دولة من العالم الثالث لم يعد من حقها إعطاء دروس للآخرين، وثانيتهما، بالغت في الادعاء بإثبات قوة المؤسسة الأمريكية وقدرتها على مواجهة تفلتات رئيس فقد توازنه عند لحظة ترك السلطة.

 وفي النزعتين شيء من التلخيص المخل لحقيقة ما يحدث وتداعياته المحتملة التي تتجاوز الولايات المتحدة إلى العالم بأسره، الذي تابع مصدوماً مشاهد اقتحام الكابيتول.

وفي مثل هذه الحوادث المشبعة بالدلالات، والرموز، والرسائل، لا يمكن القفز بالأهواء إلى النتائج الأخيرة.

 لم يكن ممكناً أن يخطر ببال أحد يوم 11 سبتمبر (2001) عند ضرب برجي التجارة العالمي في قلب نيويورك، رمز القوة الإمبراطورية الاقتصادية، أن تداعياته سوف تصل إلى الإقليم هنا، تحتل أفغانستان، ثم العراق، ويضرب العالم العربي في صميم وجوده، وتنشأ استراتيجيات تعمل على تقسيمه عرقياً، ومذهبياً.

 الحادثتان، ضرب برجي التجارة العالمي، واقتحام الكابتيول، لهما أثر رمزي واحد من حيث النيل من الصورة الإمبراطورية للولايات المتحدة. عند أي حدث مدو من ذلك الحجم تأخذ التداعيات وقتها حتى تستبين كامل تفاعلاتها.

لم يتصور أحد عند سقوط جدار برلين خريف (1989) أن تداعياته سوف تذهب بعيداً إلى تفكيك الاتحاد السوفييتي نفسه.

 وفي ذلك الوقت طرح سؤال: هل تلقى الولايات المتحدة مصيراً مماثلاً؟

 وبعد وقت آخر طرأ تعبير: «الولايات المنقسمة الأمريكية» عند تفاقم أزماتها الداخلية على سطح الحوادث. ثم طرأ سيناريو «الحرب الأهلية الثانية» في كتابات أمريكية عدة – «توماس فريدمان» مثالاً.

 السيناريو محتمل، لكن أسبابه لا تعود إلى «ترامب» وحده. وإذا ما مضى الانقسام الداخلي إلى آخر مداه، ولم تنجح المؤسسة الأمريكية في تطويقه بإجراءات تنقل البلد كله إلى أفق مواطنة جديد لا ترميم ما هو باد على سطحها من شروخ وتصدعات عبرت عن نفسها في اقتحام «الكابيتول»، فإن كل سيناريو وارد.

 هناك شروخ عميقة في المجتمع الأمريكي المنقسم بفداحة عرقياً، وسياسياً، والمأزوم في نظرته لنفسه ومستقبله ودوره في عالم جديد يوشك أن يولد من تحت ضربات الجائحة.

 لم تولد ظاهرة «ترامب» من فراغ، ولا هو جملة مقحمة على الحقائق الأمريكية. فهو يعبر بخطابه الشعبوي عن ضيق بالغ في المجتمع الأمريكي من فساد «المؤسسة» التي يرمز «الكابيتول» إليها.

 أوعز بالاقتحام، وجرى نوع من التساهل في إجراءات الأمن الضرورية، لكن ما جرى من تخريب وعنف انطوى على كراهية المكان نفسه. وهو يعكس أفكار، وتصورات، وهواجس قطاعات واسعة من الأمريكيين يؤمنون بتفوق الرجل الأبيض، وأنه وحده صاحب الحق الأصيل في الثروة والسلطة.

 وأثناء الانتخابات تجلت مقاربتان. أولاهما، تبناها «ترامب» تحت شعار: «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». وثانيتهما، تبناها «بايدن» باستهداف استعادة القيادة الأمريكية.

المقاربة الأولى، تراجعت خطوة، أو خطوتين للخلف بهزيمة «ترامب». والمقاربة الثانية، تقدمت خطوة أو خطوتين للأمام بصعود «بايدن».

 وفي محاولة لتحسين صورتها فإن إدارة «بايدن» سوف تسرع بإجراءات العودة إلى المنظمات الدولية التي كانت غادرتها وتوقفت عن تمويلها، مثل منظمة الصحة العالمية، و«اليونيسكو»، كما إعادة بناء الحلف الغربي، وضخ دماء جديدة فيه، لكنه لا يؤسس بذاته لقيادة أمريكية مستأنفة في عالم جديد يوشك أن يولد.

 وبالتكوين السياسي فإن «بايدن» ابن المؤسسة، ولديه خبرة بناء الصلات والعلاقات مع الجمهوريين، غير أنها ليست مهمة في متناول اليد إذا ما جرى البحث في القوانين التي قد تطرح على الأجندة التشريعية بالنظر إلى ارتفاع منسوب قوة اليسار في الحزب الديمقراطي.

 إن إدخال إصلاحات جوهرية في حقوق المواطنة وبنية المجتمع شرط ضروري لإصلاح المؤسسة، كما هو شرط ضروري آخر لتصحيح الصورة، واستعادة شيء من زخم الدور الدولي، وإلا فإنها عودة إلى المربع القديم الذي جعل ممكناً اقتحام الكابيتول.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"