القاهرة والشعراء

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

يكتب الروائي عزت القمحاوي مادة عذبة عن إقامة محمود درويش القصيرة نسبياً في القاهرة في أوائل السبعينات من خلال قراءته لكتاب صدر مؤخراً عن منشورات المتوسط حول مرحلة درويش في مصر بعد مجيئه إليها من موسكو في العام ١٩٧١، ولكن عذوبة هذه المادة «جريدة الشرق الأوسط» تكمن في مقدّمتها التي يُقارب بها القمحاوي بين القاهرة والشعراء، ويرى أنها مدينة ليست ممتعة لنجوم الشعر وأنها لا تلبّي فكرة الشاعر عن نفسه أو تحقق له صورته التي يراها في المدن الأخرى، ويعطي القمحاوي مثالين على ذلك: مدرّج مهرجان جرش الأردني، واستاد اللاذقية الرياضي بوصفهما مكانين يحققان صورة الشاعر من خلال الآلاف التي تحضر أمسيته، في حين أن حضور أمسية شعرية في القاهرة لا يتجاوز ما سّماه «الآلاف المفردة».
يلتقط القمحاوي فكرة على درجة كبيرة من الذكاء، فهو يقول إن القاهرة تريد من نجومها أن يتعلّموا مهارة السير في الشوارع مثل نجيب محفوظ، وعبدالرحمن الأبنودي، وأمل دنقل، الواحد منهم.. «..يسأل النادل عن أولاده قبل أن يستريح على كرسيه في مقهى الرصيف..».
لا يمتلك مثل هذا التوصيف لعلاقة المدينة أو لعلاقة مدينة مثل القاهرة بالشعراء إلاّ شاعر يمتلك شفافية التحليل الذي يقترب من الفضاء النفسي وعلاقته بالمكان، غير أن عزت القمحاوي في هذه الكتابة يمتلك هذه الشفافية الشعرية أكثر من بعض الشعراء، فضلاً عن شعريته الروائية والقصصية في أعمال سردية قرأناها منذ أن بدأ يكتب في أوائل التسعينات، لكن في نهاية كل ذلك، فإن أهل مكة هم وحدهم أدرى بشعابها.. وكذلك القاهرة، ولعلّ الأدرى بشعاب هذه المدينة المليونية هم الراوئيون والقصّاصون.. أهل الحكي والسرد والكلام على الرصيف، وفي الشرفة، وفي الصالون المفتوح على هواء النيل الطلق.
زرت القاهرة مرّتين، قبل سنوات قليلة، وفي الزيارتين كانت المدينة بالنسبة للزائر السريع مكاناً رائعاً للمشي أو السير في الشارع كما وصفه صاحب «.. حدث في بلاد التراب والطين»، ذلك المشي العشوائي الذي بلا نقطة محددة في ميدان التحرير الذي بدا للزائر الأوليّ وكأنه تصب فيه «مروحة» من الشوارع التي تتجّمع وترتاح في الميدان.
 يقول القمحاوي إن الآلاف تتجمّع للاستماع للشاعر في مدرّج جرش أو استاد اللاذقية، ولكن ليس جميع هؤلاء جاءوا من أجل الشعر والشاعر، فهم أصلاً أو الكثير منهم مشاة عشوائيون في هذه الأماكن الأثرية التي تصلح لسرد الروائي، أكثر ممّا تصلح لقراءة الشعر.
يميل البعض إلى الاستماع للشعر في مكان ملموم إن جازت العبارة: .. مكان صغير، دافئ في الغالب، إضاءته حميمة، ومن الأجمل أن تكون القراءة إلى جانب موقد نار، ففي هذه المشهدية الباذخة ثمة ما يمشي أيضاً: .. لعلّه اللهب..
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"