من ينقذ الآخر.. المنصات الإلكترونية أم المؤسسات الإخبارية؟

21:55 مساء
قراءة 4 دقائق

أليكس ويب *

لم يكن البحث والشبكات الاجتماعية هما الابتكاران اللذان حولا «جوجل» و«فيسبوك» إلى شركات عملاقة لكسب المال؛ بل كانت المساحات الإعلانية التي يبيعانها إلى جانب المحتوى الذي يحصلان عليه مجاناً.

الآن، ونظراً لأن التحقيقات التنظيمية في الولايات المتحدة وأوروبا وخارجها تثير احتمال تفكيك شركات وادي السيليكون، تراهم يغيران تلك الصيغة؛ حيث تعقد الشركتان صفقات لبدء دفع الأموال لواحد من المصادر المهمة للمحتوى: «المؤسسات الإخبارية». ولن يساعد هذا فقط في جعلهم يتماشون مع قوانين حقوق النشر الجديدة؛ بل سيمنحهما أيضاً فرصة لاستعادة ثقة صناعة الإعلام.

في وقت لاحق من هذا الشهر، ستطلق فيسبوك علامة تبويب الأخبار الخاصة بها في المملكة المتحدة بأسماء مثل «الجارديان» و«الإيكونوميست» و«الإندبندنت»، والتي كانت متوفرة في الولايات المتحدة منذ عام 2019. في حين بدأت جوجل بالفعل طرح أحدث خدماتها الإخبارية «جوجل نيوز شوكيس» (Google News Showcase)، والتي انطلقت في ألمانيا مع 20 صحيفة، بما فيها «فرانكفورتر العامة» و«دير شبيجل» و«دي تسايت». وبعد ذلك، ستتواجد في المملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا وأستراليا.

يشكل المنتجان سابقة مهمة بحد ذاتها؛ حيث إن عمالقة التكنولوجيا سيدفعون للناشرين مقابل ترخيص منشوراتهم.

في الماضي، كانت أي إيرادات توجهها الشركتان للناشرين تأتي إما من تمويل خيري لمرة واحدة لمشاريع إخبارية أو من خلال حصة من دخل الإعلانات من المستخدمين الذين ينقرون على قصة ما، ولم يكن أي من الخيارين كافياً لبناء عمل إعلامي مستدام.

تتوقع شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» أن تنخفض إيرادات الإعلانات والتوزيع المجمعة لصناعة الصحف العالمية من 108 مليارات دولار إلى 86 مليار دولار بين عامي 2019 و2024.

لا شك بأن رسوم الترخيص الجديدة التي يتلقاها كبار الناشرين في ألمانيا من جوجل غير مجدية نسبياً، وتبلغ بضعة ملايين من اليورو سنوياً، وتشكل ما بين 1% و2% فقط من عائداتهم السنوية. وبالنظر إلى أن عملاق البحث يمكن أن يمثل أكثر من ربع حركة المرور الخاصة بهم، تعد هذه الرسوم مثل قطرة في محيط. وكذلك تسير الأمور مع فيسبوك الذي يدفع نسباً مماثلة تقريباً في المملكة المتحدة. يأتي التميز من القدرة على تكوين علاقة مع القرّاء الموجودين بالفعل على هذه المنصات؛ لأن هذه المنتجات ستوجههم إلى موقع النشر الإلكتروني مباشرة لقراءة القصة. ولم يكن هذا هو الحال مع عروض «نيوز بلس» من «أبل»، أو مواقع الويب التابعة لشركة «مايكروسوفت»؛ حيث يُبقيان القرّاء على منصتيهما ويحجبان البيانات عن الناشرين، الذين يدفعون مقابل نشر قصصهم.

تطور «مايكروسوفت» منتجاً إخبارياً آخر لنظام التشغيل «ويندوزو» والذي سيستضيف القصص مباشرة. وربما سيكون الناشرون في موقف تفاوضي أقوى من قبل.

تعتمد خدمة أخبار «جوجل نيوز شوكيس» على ما يعرف ب«البطاقات»، تعرض هذه البطاقات القصص التي تختارها المؤسسات الإخبارية، ويركز كل منها على موضوع، مثل الرياضة، أو المالية، أو كوفيد. وإذا نقر المستخدم على قصة معينة، فسيتم توجيهه إلى موقع النشر الإلكتروني المفتوح مباشرة ومن دون اشتراك، وذلك بفضل رسوم الترخيص التي تدفعها «جوجل» مسبقاً. وبشكل ملائم للوحدة التابعة ل«ألفابيت»، تسمح العقود لجوجل باستخدام القصص عبر أي من منتجاتها الأخرى. وبالمثل، ستدفع علامة تبويب الأخبار في «فيسبوك» القرّاء إلى موقع الصحيفة على الويب.

هذه المنتجات منفصلة عن القصص التي تظهر في خلاصات أخبار «فيسبوك» أو نتائج بحث «جوجل»، ويمكن القول إن المنصات يجب أن تدفع مبلغاً إضافياً مقابل ذلك. إلا أن مديري الأخبار يأملون أن يمثل هذا الجهد خطوة أولى نحو اتفاقيات إيرادات متكررة ولفترات أطول.

لا يزال هناك قدر كبير من الشكوك التي تساور المؤسسات الإخبارية؛ حيث تم حرقها مراراً وتكراراً في الماضي. ولسنوات، شجعت «فيسبوك» الشركات والشخصيات العامة والناشرين على تنمية جمهورهم عبر صفحات تطبيق التواصل الاجتماعي الأشهر. وبعد أن استثمرت هذه المجموعات الوقت والمال والجهد، غيرت «فيسبوك» طريقة ظهور المحتوى، ما جعل من الصعب جداً الوصول إلى نفس الجمهور من دون الدفع مقابل الترويج.

إن أحد الأسباب التي جعلت بعض الناشرين يفضلون تلقي رسوم رمزية من شركات التكنولوجيا في الوقت الذي كان بإمكانهم طلب المزيد، هو أنه في حال كانت المدفوعات أكبر، فربما يخاطرون بأن يصبحوا ضحية أهواء شركات وادي السيليكون مستقبلاً.

تضمن العقود الجديدة الإيرادات من «جوجل» و«فيسبوك» ولمدة ثلاث سنوات، وبقدر ما يتحمس مديرو الأخبار التنفيذيون بشأن هذه السابقة التي يتم وضعها، يتعين عليهم ضمان أن تسفر هذه الصفقات عن نتائج مفيدة، وفي المقام الأول إمكانية جذب المشتركين الجدد.

مع تصاعد ضغوط مكافحة الاحتكار على «فيسبوك» و«جوجل»، عملاقي التواصل الاجتماعي والبحث، فإن من مصلحتهما مساعدة القطاع الإخباري على تطوير نماذج اقتصادية مستدامة. ما قد يخفف الانتقادات الموجهة إليهما لمحاولتهما تغيير هذه النماذج في المقام الأول، إضافة إلى درء خطر التنظيم الإضافي عن الشركتين. أيدت شركة «نيوز كورب»، برئاسة روبرت مردوخ، فرض قواعد جديدة في أستراليا تجبر عمالقة التقنية على مشاركة المزيد من عائدات الإعلانات الرقمية. يجب أن يؤدي الدفع مقابل الأخبار أيضاً إلى تحسين جودة المنصات التي أصبحت مرتعاً للمعلومات المضللة.

* كاتب في بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب في بلومبيرج

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"