أوروبا وتحصيل الحاصل في موضوع اللقاح

01:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

ظهرت في عدد من العواصم الأوروبية بوادر مما كان محل خوف عند بدء الحديث عن لقاح يواجه فيروس كورونا، وبدا واضحاً أن الخوف النظري الذي كان يراود كثيرين في العالم خلال مرحلة مبكرة من حياة الفيروس، قد بدأ يتحول إلى خوف يتجلى عملياً أمامنا.

  لقد بدأنا نطالع كلاماً لخبراء في الأحياء الدقيقة وفي أمراض المناعة يقولون فيه إنهم يخشون بعد التردد في الإقبال بأكثر من بلد على اللقاح، أن يزداد الإقبال في مرحلة تالية، مع عدم قدرة الشركات المنتجة على الوفاء بما تعهدت بتوريده من الجرعات. 

  وهذا ليس جديداً على كل حال، لأن مثل هذا التخوف كان موجوداً منذ البداية، ولأن الشائعات التي شاعت عن الفيروس أكثر من الحقائق التي استقرت حوله، ولأن الغموض الذي أحاط ب«كورونا» في عدد من مراحله، إن لم يكن في مراحله كلها، قد زاد وغطى على الشفافية التي كان الملايين ينتظرونها بخصوصه في كل مكان على وجه الأرض. 

 والشيء الغريب حقاً، أن التخوف لدى كثيرين من اللقاح، وبمعنى أدق التخوف من عواقب الحصول على جرعة منه، يتوازى مع معركة نتابعها هذه الأيام بين عدد من الدول، وبالذات في أوروبا، وبين شركات الأدوية التي سيكون عليها أن تلبي الحاجة إلى تعاطي اللقاح. 

  وليس سراً أن الخبراء في علم الفيروسات يتحدثون عن أن العالم لن يستطيع العودة إلى حياته الطبيعية، إلا إذا حصل سبعون في المئة من سكانه على جرعات من اللقاح.. عندها فقط سيكون في مقدورنا، حسب رأي هؤلاء الخبراء، أن نعود إلى ما كنا عليه قبل أن يفاجئنا هذا الضيف الثقيل. 

  وليس سراً أيضاً أن توفير مثل هذا العدد من الجرعات ليس أمراً سهلاً بالمرة، بل يكاد يكون مستحيلاً، وهذا ما يجعل العالم يقف في مواجهة مع مأزق حقيقي. 

 وربما تكون دول الاتحاد الأوروبي هي الأشد معاناة من مأزقها في اللحظة الراهنة، وربما تكون قيادة الاتحاد في بروكسل هي التي تقف في هذه اللحظة كذلك في موقف لا تُحسد عليه، ولا تعرف في الوقت نفسه كيف تجد حلاً يسعفها. 

  فهذه القيادة في العاصمة البلجيكية كانت فوضت المفوضية الأوروبية القيام بعمليات شراء وتوزيع اللقاحات على الدول الأعضاء، ولكن المفوضية ما كادت تتعاقد مع الشركات المنتجة حتى اكتشفت أنها عاجزة عن توريد ما جرى الاتفاق عليه وفق الجدول الزمني المتفق عليه.

  وسرعان ما تبين لعدد من العواصم الأوروبية أنها تواجه مشكلة مع مواطنيها، وأن عليها أن تتصرف بالطريقة التي تروق لها، وأن المهم أن تتوافر اللقاحات بأي ثمن، وأن ما يقال عن أن لون القط ليس مهماً بقدر أهمية قدرته على اصطياد الفئران، يظل هو الصحيح في هذا السياق.. فليس مهماً أن يأتي اللقاح المنتظر عن طريق بروكسل، وإنما المهم أن يأتي. 

   ولم يكن أمام عدد من الدول الأوروبية سوى أن تلجأ إلى التعاقد على ما تحتاج إليه من جرعات بمفردها بعيداً عن اتفاقات المفوضية، وبعيداً عن الجدول الذي وضعته المفوضية، ثم بعيداً عن عدم واقعيته التي ظهرت عند مراجعة شركات الإنتاج. 

   ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة هي السبب وراء هذا الموقف الذي تواجهه أوروبا، لأن لدى إدارة بايدن شعوراً بأن قضية «كورونا» هي القضية الأولى في حياة المواطن الأمريكي، ولأن يقينها أن خسارة ترامب أمامها ترجع في الأساس إلى عدم قدرته على تحقيق شيء له قيمة في المواجهة مع الوباء. 

  لقد تعهدت الإدارة الجديدة بتوفير اللقاح لمئة مليون أمريكي خلال المئة يوم الأولى لها، وهو تعهد قد يبدو مثالياً لأنه فوق طاقة الشركات، ولكن هذا ما حدث، وهذا ما تم الإعلان عنه، وفي سبيل الوفاء به سوف يصبح نصيب واشنطن في اللقاحات التي تخرج من شركات إنتاجها هو نصيب الأسد، وسوف يصبح المأزق الأوروبي من نوع تحصيل الحاصل في الموضوع. 

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"