عقدٌ آخر من الخريف

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

إذا كان تاريخ وفاة الشاب التونسي محمد بوعزيزي في الرابع من يناير 2011 يؤرخ لاندلاع ما سُمّي ب«الربيع العربي»، سيكون قد مرّ على هذا الفصل المربك عشر سنوات وشهر وأربعة أيام. وقد تبدو الفترة الزمنية قليلة في عمر الشعوب لكن آثارها التدميرية كانت كبيرة وتظهر بعض المناطق كأنها تعرّضت لحرب عالمية أو لأسلحة غير تقليدية، ليس فقط لما تسببت فيه من تدمير للبنيان، ولكن لما طال الإنسان من أذى نفسي ومعنوي وخسارات في الأرواح وإصابات وإعاقات، يتطلب التغلب عليها أكثر من عشر سنوات، فما تدمره الحروب في يوم يستغرق بناؤه وإصلاحه شهور.

لقد أُشبِع «الربيع العربي» حديثاً ودراسات ومقالات وحوارات، معظمها أرجع الأسباب إلى «الدكتاتورية» السياسية وعدم توفّر العدالة الاجتماعية وحرية التعبير والفقر، وآخرون ألقوا بالمسؤولية على التدخل الخارجي والأطماع بثروات البلاد، وطرف آخر حمّل إسرائيل المسؤولية، وآخرون جمعوا كل تلك العناصر كأسباب للخراب الذي حلّ في أكثر من دولة عربية.

 ويحلو لمنظّرين كثيرين التغنّي ب«الربيع العربي» معتبرين الضحايا والدمار بديهية تحدث في كل الثورات، ولا يمكن تجنّبها في عملية التغيير، وأعادوا ما حصل من دمار للجوء الأنظمة المعنية إلى القوة المفرطة والعنف، ويعتقدون بأن «الربيع العربي» قد حقّق نتائج مهمة وانتصارات، ويصنّفون التجربة التونسية بالناجحة والرائدة في التغيير نظراُ للانتقال غير الدموي للسلطة، ولم يتوقّفوا عند اعتلاء شخصيات من نظام بن علي لسدة الحكم جنباً إلى جنب مع تنظيم الإخوان المسلمين. هو الأمر ذاته حصل بعد استقالة الرئيس المصري حسني مبارك وقدوم محمد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين، وهذا يعني أن الثورة في بلدين كبيرين، مصر وتونس، قد أنتجتا سلطة دينية متشدّدة، ولولا التدخل الخارجي في سوريا والعراق، لأنتجت الثورتان في كلا البلدين، سلطتين دينيتين متشدّدتين تربطهما صلات مباشرة أو غير مباشرة بالإخوان المسلمين، ولا تزال القوى المتشدّدة في سوريا بدعم من تركيا، وفي العراق بدعم من إيران، تسعى للسيطرة على الحكم، ولا نستثني ليبيا في هذا السياق، حيث دخلت تركيا بثقل لتغليب دفة على أخرى، ولولا تدخل جهات عربية لسقطت ليبيا في أيدي التشدّد والتطرف، ولولا تحرك الجيش والقوى الليبرالية في مصر أيضاً لكانت شبيهة بليبيا.

 إن السؤال المدهش والمحيّر في آن هو: لماذا يجب أن يكون الخيار الآخر دينياً متطرفاً متشدّدا؟ هل لأن المجتمعات العربية محافظة وتميل إلى تطبيق الشريعة أم لأنها مُخترقة؟ ولماذا سقطت دولتان عربيتان، هما سوريا والعراق، سريعاً تحت سيطرة تنظيم «داعش»، هل لأن التربية الليبرالية كانت فاشلة، أم لأن هذين النظامين ركّزا جهودهما التنويرية على المدن وتناسوا الأرياف التي سقطت سريعاً وقبلت بوجود الدواعش؟ وهل كانت السيطرة على الضواحي أسرع من المدن بسبب انتشار الأمية والفقر وبالتالي المحافظة والتشدد، وبات الانضمام للتنظيم الدموي مجدياً ومُربحاً أكثر من الزراعة أو العمل في مؤسسات الدولة؟

بعد عشر سنوات من «الربيع العربي» الذي حوّل البلاد إلى فصل خريف مستدام، لا تزال المجتمعات المعنية تنتهج القناعات نفسها، ولم تغيّرها الممارسات الإجرامية للتنظيمات، ولا تزال مستثناة من البرامج الحكومية التطويرية، بل على العكس، ازدادت تراجعاً، ما يجعلها مهيأة أكثر لقبول أي جهة تمتلك المال والإمكانيات.

 تقارير كثيرة تقول إن تنظيم «داعش» بدأ يعود بقوة إلى المشهد السياسي والعسكري بعد تغييره لاستراتيجياته، وبعض التقارير يتنبّأ بعودةٍ أقوى للتنظيم مما كانت عليه قبل انهياره، ما يشير إلى أن عشر سنوات أخرى من الخراب والدم في انتظار البلدان المعنية، أي تأجيل إعادة الإعمار والبناء وعودة اللاجئين عشر سنوات إضافية، فهل هذه الأنظمة تبني وجودها على الفوضى والإبقاء على تهديدات المتطرفين لتمديد أشكال أنظمتها؟ ألا تخشى أن تتسبّب هذه الاستراتيجية باكتساحها هذه المرة؟ خاصة أن القوى الخارجية التي ساعدتها في الصمود، لن تتحمل خسائر أكثر، لأنها ستعاني في قادم الأيام مشاكل داخلية قد تُعرّضها للخطر، إن كانت جماعات مسلحة أو دولاً.

 إن تطوير الضواحي والأرياف يجب أن يقفز إلى سلّم الأولويات في التنمية العمرانية والاجتماعية والتعليمية والتثقيفية، لأنها الأسوار الحامية للمدينة والدولة، ناهيك عن كونها سلّة الغذاء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"