عادي

تزوير في أوراق رسمية

22:24 مساء
قراءة 3 دقائق
تزوير مستند

كتب: أمير السني
تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
تمتع (ف. و) بسمعة طيبة وسط زملائه، واكتسب خبرة جيدة من خلال عمله في وظيفة مندوب علاقات عامة لشركة خاصة ظل يعمل فيها لمدة 10 سنوات، جعلته يرتبط بعلاقات جيدة بالمؤسسات الحكومية، وخاصة إجراءات الإقامة، وتجديدها، وغيرها من الخدمات، ولخبرته الطويلة صار ينجز المعاملات البنكية وغيرها بسرعة وإتقان، ما شجع العديد من زملائه ومعارفهم على اللجوء إليه لحل مشاكلهم المتعلقة بتلك المؤسسات، وأصبح كل من يريد أن يجدد إقامته يذهب إليه، أو من لديه مشكلة في جواز سفره أو يواجه الأبناء مشكلة محددة متعلقة بشؤون الأجانب يذهب هو ليحلها.
ويبدأ (ف. و) يومه من الصباح باكراً يحضر إلى المكتب، ويقود سيارة الشركة لقضاء مستلزماتها، ويذهب أحياناً إلى الميناء؛ لتخليص البضائع التي تستجلبها الشركة من الخارج، ويقضي يومه كله متجولاً بين المؤسسات؛ ليكمل الإجراءات هنا وهناك، وفي نهاية اليوم يرجع إلى شقته السكنية وعائلته، فهو لديه ولدان و4 بنات جميعهم في المراحل الدراسية، واثنان منهم في المرحلة الأخيرة قبل دخول الجامعة.
وازداد العبء المادي لديه بدفع مصاريف الدراسة لهم جميعاً، إضافة إلى إيجار الشقة والكهرباء والماء، وحاول إيجاد دخل إضافي يسد تلك المشاكل التي تواجهه، ولكنه لم يجد لصعوبة عمله الذي يتطلب وجوده في المؤسسة من الصباح إلى غروب الشمس، ولم تبخل إدارة الشركة عليه، فقد كانت تهتم لأمره بسبب تفانيه في العمل، وتزيد راتبه في كل فترة، إضافة إلى الحوافز التي تمنحها له بجانب البديل النقدي للعطلات وغيرها، ولكن كل ذلك لم يغطِّ تكلفة المعيشة لديه.
وبدأ البحث عن مصدر دخل إضافي، وأخبر من تربطه بهم معرفة أن يبحثوا له عن وظيفة؛ لتساعده في تكاليف الحياة، وبعد فترة أخبره صديقه بأن هنالك مشكلة تواجه شخصاً ممنوعاً من السفر بسبب إصدار تعميم من الجهات المختصة، وأنه في حال وجد طريقة لحل تلك المشكلة فسوف ينال 250 ألف درهم، وعلى الرغم من معرفته باستحالة إلغاء ذلك التعميم، ذهب إلى عدد من الموظفين وطلب منهم إيجاد وسيلة لرفع الحظر، إلا أنهم أبلغوه بأن ذلك غير قانوني، وحذروه من هذه المهمة باعتبار ذلك أمراً قانونياً يجب تنفيذه، ومن يحاول أن يتلاعب في هذا الأمر فإن مصيره السجن.
لكن (ف. و) حاول إيجاد طريقة للحصول على ذلك المبلغ المالي الضخم الذي سيساعده في حل ضائقته، على الرغم من أنه يعلم استحالة إيجاد طريقة لرفع الحظر على ذلك الشخص، ومع ذلك بدأ يستخدم ذكاءه وخبرته، وتخلى عن أمانته وسمعته الطيبة من أجل الحصول على المال، فلجأ إلى حيلة خبيثة، وهي أن يحاول تزوير فك التعميم عن الشخص؛ ليخدعه بأنه تمكن من الحصول على إفراج من الجهات المختصة ليسمح له بالسفر، وذهب إلى صديق له لديه الخبرة في تصوير المستندات، وأخبره بطلبه وأغراه بأنه سيعطيه مبلغاً مالياً نظيرة عمله، وعلى الفور شرع صديقه في تزوير مستند يلغي الحظر عن ذلك الشخص بتصوير الأختام الرسمية في ورقة ثانية، ووضع اسم الشخص وصورته في المستند، واتصل في اليوم الثاني بصديقه (ف. و) وأعطاه المستند، وتسلم منه مبلغ 10 آلاف درهم.
وفي اليوم الثالث التقى (ف. و) صديقه الوسيط، وسلمه المستند ولم يكن يعلم الوسيط بعملية التزوير، وقام بدوره بتسليم الشخص المقصود المستند، وسلم (ف. و) مبلغ 250 ألف درهم مقابل تلك العملية، وذهب حامل المستند المزور إلى الجهات المختصة ليشرع في إجراءات سفره، لكنه فوجئ بالقبض عليه، وفتح بلاغ جنائي ضده؛ حيث أقر في اعترافاته بأنه سلم (ف. و) مبلغاً مالياً مقابل المستند، ولم يكن يدري أنه مزور، وتمكنت الشرطة من القبض على (ف. و)، واعترف في أقواله بارتكابه الجريمة، وعاقبته المحكمة بالسجن لمدة عام، والإبعاد عن البلاد عقب انتهاء العقوبة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"