«الفرس من الفارس».. لسان حال سوسيتيه جنرال

22:38 مساء
قراءة 4 دقائق

ألكسندر راجبانداري *
في يوم بارد من يناير/كانون الثاني من العام الماضي، اجتمع مجلس إدارة بنك «سوسيتيه جنرال» في مقر وحدته الروسية «روزبانك»، وهو مبنى حديث في وسط موسكو يتمحور حول هيكل زجاجي أسطواني. عُقد الاجتماع السنوي هناك للإشادة بالأداء القوي للوحدة المصرفية عام 2019، ولكن سرعان ما ساءت الأمور، حيث كان بين يدي الرئيس التنفيذي فريدريك أوديا، بند خارج جدول الأعمال للمناقشة.
وقبل أسابيع فقط، ذكرت «بلومبيرج» أن مجلس الإدارة استعان بشركة «إيجون زيندر»، العالمية الرائدة في مجال الخدمات الاستشارية الإدارية، للبحث عن مرشحين محتملين لخلافة أوديا. وأمام الاجتماع الذي ضم رئيس مجلس الإدارة، المصرفي الإيطالي البارز لورنزو بيني سماجي، رأى أوديا أن مثل هذه التسريبات غير مقبولة وحذر من أنه ستكون هناك عواقب لأي شخص معني بالأمر. وقال أشخاص مطلعون إن صمتاً مضطرباً ساد القاعة، بينما كان أوديا يوبخ الحاضرين، في إشارة إلى القوة التي يتمتع بها على أعضاء مجلس الإدارة الذين من المفترض أن يشرفوا عليه.
ساعدت هذه الهيمنة الرئيس التنفيذي البالغ 57 عاماً على التمسك بوظيفته لتصبح بذلك فترة رئاسته هي الأطول بين رؤساء البنوك الأوروبية الكبيرة، ضارباً عرض الحائط بخسارة أسهم «سوسيتيه جنرال» 75% من قيمتها، كما أن لدى «سوسيتيه جنرال» أدنى نسبة سعر لسهم، مقابل قيمته الدفترية بين البنوك الأوروبية الكبيرة، مما يشير إلى أن الشركة تدمر قيمتها السوقية في أسوأ أداء لبنك فرنسي.
وغيرت أسماء كبيرة في المنطقة مثل «يوني كريديت»، و«دويتشه بانك»، و«سانتاندر» ممن ساءت أحوالها على مدى 13 عاماً التي تولى فيها أوديا زمام القيادة، رؤساءها التنفيذيين.
لكن في قطاع يكون فيه التغيير في الأقسام التنفيذية أمراً شائعاً، يربك بقاء أوديا مراقبي الصناعة، في حين يعزو مجلس الإدارة ذلك إلى الخوف من تغيير قبطان سفينة في وسط عاصفة. وبحسب النقاد، يُظهر ذلك الأمر قلة شجاعة في اتخاذ الخطوات الصارمة والراديكالية اللازمة لتغيير مسار البنك.
قال بيتر هان الأستاذ الفخري في معهد لندن للدراسات المصرفية والمالية: «أنا مندهش من أن أوديا لا يزال في منصبه. إنها فترة طويلة، وقد حان الوقت ليعيد البنك التفكير في قيادته وفي استراتيجيته». إلى ذلك، قال رئيس مجلس الإدارة سماجي: «ليس بالضرورة أن تكون مهمة مجلس الإدارة تغيير القيادات بشكل متكرر، نحن بحاجة إلى التغيير عند الحاجة فقط. وفي ظل أزمة مثل تلك التي نمر بها، لا أعتقد أنه الوقت المناسب لذلك».
تنبع خيبة أمل السوق من أوديا جزئياً من تركيزه المستمر على الخدمات المصرفية الاستثمارية، التي من المتوقع أن تكون قد أغرقت البنك العام الماضي في أسوأ خسارة له منذ توليه المسؤولية عام 2008. وقال جون بيس، رئيس أبحاث البنوك الأوروبية في «كريديت سويس»: «إن سوسيتيه جنرال يتمتع بوزن زائد في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، وهذا يُولّد من الناحية الهيكلية عائداً أقل على الأسهم من جمع الأصول، ويصبح هناك نقص في الوزن».
خففت مجموعة «يو بي إس» التي تحولت من الخدمات المصرفية الاستثمارية إلى إدارة الثروات في أعقاب الأزمة المالية، كثيراً من وقع الصدمة. لكن بنك «سوسيتيه جنرال» بقيادة أوديا، ظل مركزاً تاريخياً على مسار الخدمات المصرفية الاستثمارية، وخاصة أنشطة السوق. كما أخطأ في تقدير أهمية أعمال إدارة الأصول، حيث قام ببيع حصته البالغة 20% في «أموندي» لإدارة الأصول عام 2015، بزعم أنها لم تكن أساسية. يُذكر أن «أموندي» هو مدير الأصول الأول في أوروبا، بمكاسب تقارب 48%، وقيمة سوقية تبلغ 13 مليار يورو (15.7 مليار دولار)؛ أي أقل بقليل من 14.6 مليار يورو قيمة «سوسيتيه جنرال». وعليه قال جوناثان تايس، كبير المحللين في بلومبيرج إنتليجنس: «إن الخطأ الاستراتيجي الذي على أوديا أن يندم عليه خلال فترة ولايته، هو التخارج من ملكية أموندي». 
لن يكون إصلاح «سوسيتيه جنرال» سهلاً، ولم تعد هناك أفكار يقدمها أوديا لتحويل مسار البنك، ودفعته الخسائر إلى مراجعة المنتجات والخدمات التي يقدمها البنك، وإلغاء 640 وظيفة، والتعهد بخفض التكاليف بمقدار 450 مليون يورو.
مثل البنوك الأوروبية الأخرى، يسعى «سوسيتيه جنرال» إلى الحد من النفقات والتعامل مع تأثير أسعار الفائدة السلبية. ويعتبر البنك من بين المقرضين الأوروبيين الأقل شهرة من قبل المحللين، ويتزايد الحديث عنه باعتباره فريسة في أي اندماج إقليمي. ومع ذلك، يحظى رئيسه التنفيذي فريدريك أوديا، بدعم مجلس الإدارة المطلق لاستكمال العامين المتبقيين من رئاسته. وأشار بيني سماجي، رئيس مجلس الإدارة، إلى أنه خلال فترة حكم أوديا، لم يقم البنك بزيادة رأس المال، على عكس العديد من أقران سوسيتيه جنرال الأوروبيين، مضيفاً أن مجلس الإدارة يدعم خطة إعادة الهيكلة التي يعمل عليها الرئيس التنفيذي. وقال: «لا أحد هنا ساذج. نحن نعلم أن البنك يواجه تحديات. نعتقد أننا اعتمدنا خيارات استراتيجية واضحة ومهمة وصعبة التنفيذ».
ومع ذلك، فإن مثل هذا الإحسان من مجلس الإدارة، يعد ظاهرة فرنسية مألوفة، حيث إنه في فرنسا، كما قال جان ديرمين، أستاذ البنوك والتمويل في معهد «إنسياد»، يعتبر مجلس الإدارة نادياً خاصاً للنخبة، يمارس فيه الأعضاء ضغوطاً أقل على الرؤساء التنفيذيين في مناصبهم. وأضاف: «هناك العديد من القرارات التي كان يجب على أوديا اتخاذها منذ سنوات عديدة لا الآن»، وبينما ينفذ مساعدو أوديا خطته الأخيرة لخفض التكاليف، يقول البعض إن أفعاله تفتقر إلى التفكير الجديد اللازم لانتشال «سوسيتيه جنرال» من الركود. لذلك من وجهة نظر خارجية، يبدو من المدهش أن مجلس الإدارة لم يقم بتغييرات مهمة في قيادته العليا في وقت سابق.
* صحفي مقيم في باريس

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي مقيم في باريس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"