عادي

طيف السامي... حارسة الميزانية العراقية

19:43 مساء
قراءة 4 دقائق

بغداد - (أ ف ب)

أكوام من الأوراق والوثائق تدخل مكتبها، فيما يخرج منه نواب غاضبون، بينما يتسرب صوتها الذي لا تخطئه الأذن من خلف الباب: إنها طيف السامي، حارسة المالية في العراق.

يرى منتقدوها أنها تقليدية بيروقراطية، فيما يعتبرها المعجبون بأسلوبها أنها حصن منيع أمام فساد الدولة المستشري في العراق. لكنها قبل كلّ شيء امرأة صريحة ذات صوت عالٍ في مجال يهيمن عليه الرجال. مع ذلك، يتّفق الجميع على أن السامي البالغة من العمر 57 عاماً خبيرةٌ تماماً في مجالها وتعلم ماذا تفعل.

ويقول وزير المالية العراقي علي علاوي لوكالة فرانس برس عنها: «برزت لأنها ملأت فراغاً. لديها قدرات إدارية ومعرفة مالية جيدة جداً».

وتملك السامي صلاحية الموافقة على صرف الميزانيات، ما يعني أن موافقتها ضرورية على أي تمويلات لمشاريع يطلبها النواب والمسؤولون الحكوميون، من بنيها الترقيات على سبيل المثال.

وغالباً ما تضبط السامي تجاوزات، كما في عام 2018، حين ألغت مكافآت رواتب تقول إنها كانت ستكلّف الدولة مليارات الدنانير. في العام نفسه، اكتشف البرلمان العراقي أن نحو 450 مليار دولار تبددت من الميزانية في جيوب سياسيين أو رجال أعمال وحتى موظفين حكوميين منذ العام 2003.

وروى مسؤول عراقي رفيع عمل مع السامي لفرانس برس أنه «كان لها دور أساسي في وقف الفساد في الميزانية. لولاها لكان تبدّد البلد». كذلك، تثير قدرتها على القيام بأكثر من مهمة واحدة في وقت واحد إعجاب موظفين يعملون معها. وقال أحدهم لفرانس برس: «تقرأ بعينها اليسرى ورقةً ما فيما تركز بعينها اليمنى على شيء آخر. بنظرة واحدة فقط، يمكن لها أن تحدّد لك ما إن كانت وثيقة ما قانونية أو لا».

أرشيف حيّ

ولدت السامي في عام 1963 وتخرجت من جامعة بغداد، طامحةً للعمل في السلك الدبلوماسي. لكنها عيّنت في حقبة نظام حزب البعث السابق في دائرة الميزانية في وزارة المالية التي بقيت فيها منذ ذلك الحين.

تدرّجت السامي منذ الحرب العراقية مع إيران إلى حين فرض عقوبات دولية على العراق، وصولاً إلى الغزو الأمريكي في العام 2003، لتصل إلى أعلى الهرم في الدائرة. وتشير السامي إلى أن «أكثرية الفريق في ذاك الوقت كان نسائياً؛ لأن الرجال كانوا في الحرب»، مضيفةً، «قمنا بكلّ شيء حينها لنبقي الأمور جاريةً. ما زلت أتذكّر ذلك». مذاك، ازداد حجم المسؤوليات على السامي ومعه ساعات عملها.

تصل إلى مكتبها عند الساعة السادسة والنصف صباحاً، مرتديةً في أغلب الأوقات ملابس داكنة اللون، مع وشاح أسود حول شعرها. أجابت عن أسئلة فرانس برس فيما كانت منهمكةً في الوقت نفسه بتوقيع حزم من الأوراق، والردّ على رسائل نصية متعلقة ببروتوكولات الميزانية، واستبعاد طلبات صرف تعتبر أنها قد تكون مشبوهة. وعندما يدخل معاون لها المكتب ليخبرها أن نائباً ينتظرها في الخارج، تجيب «أخبره أنني غادرت المكتب لليوم».

نحو الساعة الخامسة بعد الظهر، تذهب السامي إلى منزلها أخيراً لتناول الطعام والصلاة، لكنها تواصل العمل. وتقول لفرانس برس «نوم؟ أتمنى أن أنام فقط أربع ساعات. هذا الرأس يواصل التفكير. أفكر بما عليّ تحضيره لليوم التالي».

تتهم وسائل الإعلام العراقية السامي مراراً بأنها «اليد الخفية» خلف تجميد تمويلات وفرض إجراءات تقشّف. وتردّ السامي على ذلك بالقول: «وكأن الموازنة في جيبي!». وتعتبر أن «الضغط الذي لا يحتمل» الذي تتعرض له هو «بسبب دوري كامرأة، ولأنه لا يوجد حزب يدعمني».

طلبت السامي ذات مرة نقل بعض الموظفين الذين كانوا يعملون تحت سلطتها بعدما اكتشفت أنهم يتقاضون رشى. وخلال ساعات من ذلك، أحاطت سيارات رباعية الدفع بمنزلها؛ للضغط من أجل إعادة هؤلاء الموظفين إلى وظائفهم. تستذكر أيضاً أنها ذات مرة رفضت طلب مسؤول في إحدى المحافظات، فقام «بتهديدي بالسحل وإلقائي من النافذة. لو كنت تابعة لحزب ما، لما تجرّأ أحد على لمسي».

روى المسؤول الذي عمل معها أن السامي قاطعت في إحدى المرات رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، خلال جلسة لمجلس الوزراء حول الميزانية، وقالت له: «حبيبي، أنت لا تفهم!». ويضيف أنها تصرخ قائلةً لكلّ من يزور مكتبها: «لا أملك مالاً. إنهم يخافون منها».

وفيما كان تشرح لفرانس برس تفاصيل الميزانية، ازدادت حماسة السامي وعلا صوتها، وضربت بيدها على مكتبها. وتقول: «يقولون إن صوتي مرتفع وإنني هجومية، لكن هذه طريقتي بالكلام. عندما أفسّـر شيئاً ما، أتحمس».

كما يتهمها منتقدوها أيضاً بأنها تملك غطاء سياسياً للقيام ببعض «الخدمات» المالية الصغيرة، من دون أن تكون مخالفة للقانون. ويرى آخرون أنها بيروقراطية تقليدية بأسلوب حرفي يمنع العراق من الخوض في عباب التحديث واعتماد نظام مالي إلكتروني. لكن، حتى هؤلاء لا يمكنهم إلا الإقرار بخبرتها وتأقلمها مع الزمن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"