آفاق الخدمات اللوجستية والسريعة

22:57 مساء
قراءة 5 دقائق

نور سليمان *

خلال 2020، مر العالم بأكمله – من حكومات واقتصادات ومؤسسات الرعاية الصحية وشركات وأفراد – بالعديد من التحديات والصعوبات التي نجمت عن جائحة كوفيد-19. ولم يكن القطاع اللوجستي استثناءً لذلك، حيث أدى اضطراب حركة النقل والقيود المفروضة على التنقل وسلاسل التوريد المتقلبة، إلى حرص المشغلين على إبقاء حركة الإمدادات الأساسية وعدم المساس بها.

وبعد مرور عام، ما زال العالم يواجه موجات متكررة من جائحة كوفيد-19. لذا، تستعد الشركات لخوض تغييرات دائمة بغرض التكيف مع المخاطر والحد منها قدر الإمكان. كما إنها تسعى لتبديل نماذج أعمالها حتى تتمكن من التأقلم مع التحولات الهائلة في الأنماط العالمية وسلوكيات المستهلكين.

وعلى الرغم من تأثر اللوجستيات بالاختلال الحاصل في سلاسل التوريد العالمية، وسعة الشحن المحددة، وانقطاع الروابط، والإلغاءات، إلا أن القطاع تمكن من التكيف بسرعة لتلبية احتياجات دول العالم أجمع. ومن هذا المنطلق، عمد اللاعبون اللوجستيون لإعادة تصميم سعة أسطولهم، وتغيير مخطط عملياتهم لاستيعاب الأنماط التجارية المتغيرة، والإقبال الكبير على التجارة الإلكترونية. كما عمدت الشركات لتبني حلول مبتكرة بهدف الحفاظ على عملياتها عبر التغلب على مختلف الصعوبات.

وقد تسبب التباعد الاجتماعي وفرض حظر التجول في انتقال المستهلكين إلى التسوق عبر الإنترنت وهو ما نجم عنه ارتفاع معدل التجارة الإلكترونية بشكل هائل، مما أجبر العلامات التجارية التقليدية على إعادة هيكلة عروض منتجاتها لمواكبة هذه المتطلبات المستحدثة، وذلك عن طريق التحول رقميًا إلى البيع عبر الإنترنت، أو البحث عن نموذج مباشر إلى المستهلك (D2C)، أو العمل بطريقة مبتكرة لنقل التجربة برمتها إلى المنزل.

وعلى الصعيد العالمي، شهدت شبكة «دي إتش ال» ارتفاعاً بنسبة 35% في حجم التجارة الإلكترونية عام 2020، وبلغت ذروتها التاريخية في الربع الثالث حيث قفزت كميات الشحن بنسبة تجاوزت ال 50% مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2019. بينما شهدت عائدات الربع الثالث أيضًا ارتفاعًا قياسيًا بلغت نسبته 14.6% على أساس سنوي وزيادة بنسبة 15.8% في الشحنات الدولية السريعة المحددة زمنيًا.

وشهدت شركة «دي إتش ال» إكسبرس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كذلك نموًا حادًا في حجم التجارة الإلكترونية عبر الحدود، والتي تصدرتها الكويت بنسبة تجاوزت 157% تليها عُمان بنسبة 123% ومن ثم الإمارات بنسبة 115%.

وانضم 10,000 موظف إضافي إلى قائمة «دي إتش ال» العالمية بغية مواكبة الزيادة في الطلب. في حين ضاعفت الشركة استثماراتها السنوية البالغة مليار يورو للبنية التحتية، حتى ترتقي بقدراتها التشغيلية لمستوى تلك التغيرات الكبيرة.

إقليميًا، تعاونت شركة «دي إتش ال» إكسبرس مع شركات الشحن الإقليمية والدولية المخصصة لتلبية الطلب المتزايد. وأضافت الشركة طائرتين جديدتين إلى أسطولها الجوي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتعزيز سعة حمولتها، وزيادة الحمل الجوي بنسبة تفوق 25%.

وأصبحت الخدمات اللوجستية ضرورية للتجار عبر الإنترنت كونها تضمن استمرارية أعمالهم في ظل الجائحة، والتي من المتوقع أن تؤدي إلى ازدهار التجارة الإلكترونية بشكل متسارع. بينما سيساهم تنامي مستويات العولمة والرقمنة في دفع التسوق الإلكتروني ونقل عملية الشحن حول العالم إلى آفاق جديدة. ووفقاً للتقرير الصادر عن شركة الاستشارات الإدارية «كيرني الشرق الأوسط»، من المتوقع أن تصل مبيعات التجزئة الإلكترونية في جميع أنحاء العالم إلى مستوى جديد يبلغ 50 مليار دولار بحلول العام 2025. ويؤكد ذلك  وجود توجه تصاعدي ثابت يعتمد بشكل كبير على البنية التحتية اللوجستية الشاملة.

ويُعد قطاع الرعاية الصحية أحد أكثر المجالات تأثراً بالجائحة، نظراً للطلبات المُلحة على الإمدادات الحيوية، حيث يأتي تعطل توفير المنتجات الطبية في الوقت المناسب بسبب عمليات الإغلاق وحظر السفر الجوي. ومن الواضح أنه لا يزال هناك مشوار طويل حتى يتم تعزيز سلسلة توريد المنتجات الطبية.

وتعتمد مدى سلاسة وصول اللقاحات إلى الأسواق على توفر سلسلة إمدادات فعّالة تربط بين مواقع الإنتاج المتنوعة والعامة. ويواجه مقدمو الخدمات اللوجستية تحديات دولية نظراً لسعيهم لخلق سلسلة إمدادات طبية تُعنى بتوفير اللقاحات في جميع أنحاء العالم بكميات غير مسبوقة تتجاوز 10 مليارات جرعة، وذلك وصولاً إلى المناطق ذات البنى التحتية اللوجستية الأقل تطوراً والتي تحتضن حوالي 3 مليارات شخص. وعلى مدى العامين المقبلين، ستقع على عاتق اللوجستيات مهمة ضخمة تتمثل في توفير شبكة تغطية عالمية لحوالي 200,000 شحنة ناقلة و15 مليون صندوق تبريد بالإضافة إلى 15,000 رحلة عبر مختلف إعدادات سلسلة التوريد.

تقوم شركة «دي إتش ال» بشحن اللقاحات لجميع أنحاء العالم وكذلك إلى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كالبحرين وعُمان وتونس. وقد تم تجهيز «دي إتش ال» وإعدادها على النحو الأمثل لتزويد العالم أجمع بلقاحات كوفيد-19. فهي تضم أسطول جوي مخصص يتكون من 250 طائرة مع العديد من شركات الطيران الشريكة وشبكة من المراكز والبوابات التي تغطي ما يربو على 220 دولة وإقليم.

ويتم تطويع جهود أكثر من 9,000 متخصص عبر شبكة «دي إتش ال» العالمية، لربط المستحضرات الصيدلانية والأجهزة الطبية والتجارب السريرية ومنظمات الأبحاث وتجار الجملة والموزعين مع المستشفيات ومقدمي الرعاية الصحية عبر سلسلة القيمة والرقمنة.

لابد لهذه الغُمة أن تنجلي في نهاية المطاف، ولكن يتعين على قطاع الخدمات اللوجستية أن يكون على أهبة الاستعداد تحسبًا لأيّ أزمات صحية أخرى مستقبلاً، حيث يتعين على الخبراء اللوجستيين أن يقوموا بدورهم للمساعدة في تحسين هذه الأنظمة والتأكد من إمكانية وصول الإمدادات الطبية إلى أيّ مكان. إن الخلاصة المستفادة من هذه الظاهرة العالمية لا تقدر بثمن كونها ساهمت في تفعيل العمليات الطارئة داخل القطاع وغيرها.

ويُعد عقد شراكات مع مزودي الخدمات اللوجستية – الذين يُشكلون إضافة لقدرات الشبكة الحالية – ضرورة استراتيجية بحتة، كونها ستساهم في تأمين المنتجات والإمدادات الحيوية عبر مختلف الأزمات.

ومن الضروري أن تتنوع سلاسل التوريد ليس فقط على المدى القصير ولكن في المستقبل القريب أيضًا. ولكنّ هناك شيئاً واحداً مؤكداً، وهو كمية الدروس والعبر المُستخلصة من هذه الجائحة، والتي ساهمت في تزايد رغبة الشركات في الحصول على سلاسل توريد تتمتع بمرونة أكثر.

نحن نمر بأوقات عصيبة، ونتطلع للاستعداد لمرحلة ما بعد الجائحة لنتأكد من مدى جاهزية القطاع وقدرته على اقتناص الفرص عند توفرها. كما نؤكد ضرورة وجود اللاعبين اللوجيستيين بالقرب من عملائهم، خاصة مع تزايد عدد الأشخاص الذين يعملون من منازلهم. 

* الرئيس التنفيذي لشركة «دي إتش إل» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي لشركة «دي إتش إل» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"