عادي

المصالحة الليبية تشق طريقها

23:25 مساء
قراءة 4 دقائق
1

د. أحمد سيد أحمد *

يأتي قرار المجلس الرئاسي الليبي بإنشاء مفوضية للمصالحة الوطنية باعتبارها الأساس لبناء الدولة الوطنية، في إطار الخطوات السياسية الإيجابية التي شهدتها ليبيا في الشهور الأخيرة وأبرزها تشكيل المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإقرار الثقة عليها من قبل البرلمان، وتزامناً مع تثبيت وقف إطلاق النار وتزايد الدعم الدولي والإقليمي والعربي للحكومة الليبية الجديدة وهو ما انعكس في الزيارات المختلفة للمسؤولين الأجانب للعاصمة طرابلس واستئناف عدد من الدول فتح سفاراتها هناك.

تعد المصالحة الوطنية الليبية من أبرز أولويات الحكومة الجديدة التي تبرز مهمتها الرئيسية في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية نهاية هذا العام، حيث تعد المصالحة البيئة الأساسية وتهيئة الأرضية لإنجاز بقية الملفات والأولويات، حيث تمثل المصالحة الظهير السياسي والشعبي الداعم للحكومة وللسلطة في ليبيا بما يمكنها من اكتساب الشرعية الحقيقية والرضا العام وهو ما يدعم قراراتها وسياساتها في تنفيذ الأجندة الوطنية الليبية. 
 كما أن المصالحة الوطنية تمثل الأساس لبناء الدولة الوطنية الليبية وسيطرة السلطة الجديدة على كافة أنحاء البلاد وإنهاء حالة الانقسام السابقة ما بين الشرق والغرب والتي أدت بالتبعية لحالة من الاستقطاب والانقسام في المجتمع الليبي ما بين أنصار كل سلطة وكل فريق سياسي وهو ما شكل عائقاً أمام تحقيق التسوية السياسية في البلاد لأكثر من عشر سنوات. ولذلك فإن ترميم النسيج المجتمعي الليبي من خلال المصالحة الوطنية يساهم في إعادة الوحدة الليبية والتفاف الشعب الليبي حول أجندة وطنية تعكس طموحاته وأحلامه وتطلعاته، باعتبار أنه الوحيد الذي يقرر مستقبله خاصة فيما يتعلق بالاتفاق حول شكل الدولة الليبية وطبيعة النظام السياسي. كما أن المصالحة الوطنية تساهم في إعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية خاصة الجيش والشرطة والوزارات والإدارة المدنية واختيار عناصرها وفقاً لمفهوم الكفاءة والمهارات وعلى أسس وطنية وليس على أساس الانتماءات القبلية والجهوية والسياسية.
 كذلك فإن المصالحة الوطنية تساهم في نزع رواسب الكراهية والانتقام التي ولدتها سنوات الحرب خاصة فيما بين بعض المدن الليبية في الشرق والغرب أو فيما بين بعض القبائل وبعضها البعض، حيث أدت عمليات القتل والصراع إلى تعميق الشروخ وإزكاء روح الانتقام بين بعض المدن والقبائل، ولذلك فإن المصالحة الوطنية تساهم في تصفية تلك الخلافات وإزالة روح الانتقام وهو ما يدفع في اتجاه التوحد والتعاون بين القبائل الليبية والتواصل الجغرافي والإنساني والاجتماعي بين أبناء المدن الليبية المختلفة، ولذلك فإن تحقيق المصالحة الوطنية يمثل البوتقة التي من خلالها تنصهر الاختلافات بين الليبيين وتذوب معها الصراعات والانقسامات.
 متطلبات النجاح 
 يتطلب تحقيق ونجاح المصالحة الوطنية الليبية العديد من المتطلبات المهمة:
 * أولها، وضع أسس موضوعية وحيادية لتحقيق المصالحة في إطار من المكاشفة والمصارحة خاصة فيما يتعلق بتحقيق العدالة الانتقالية الناجزة والتي تتطلب تحقيق المساءلة والمحاسبة والعقاب لمرتكبي جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية خلال سنوات الحرب السابقة، وهو أمر مهم في ظل تعدد وتكرار الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت من قبل بعض الميليشيات المسلحة خاصة ضد المدنيين، إضافة إلى ملف الاغتيالات خاصة ضد المنتمين للمؤسسة العسكرية الليبية، حيث حدثت جرائم اغتيال كثيرة خاصة في شرق البلاد في بنغازي وهذا يتطلب محاسبة من قاموا بتلك الاغتيالات وتقديمهم إلى العدالة. ولذلك فإن غياب العدالة الانتقالية سيمثل جرحاً غائراً في نفوس الليبيين خاصة المتضررين من تلك الجرائم ويمثل عائقاً أمام تحقيق الوحدة الوطنية وفتح صفحة جديدة بين أبناء الشعب الليبي، وهذه العدالة تتطلب تقوية المؤسسات الليبية خاصة الأجهزة الأمنية والأجهزة القضائية وتحقيق العدالة والقصاص العادل من مرتكبي تلك الجرائم لإعادة الثقة والمصداقية للدولة الليبية.
* ثانيها: ضرورة جبر الضرر الواقع على المتضررين من خلال تقديم التعويضات لضحايا الحروب والصراعات ورفع الأذى عنهم وتعويضها مادياً ومعنوياً، كذلك معالجة ملف المهجرين من مناطقهم ومدنهم وإعادة هؤلاء مرة أخرى إلى بيوتهم بعد أن تسببت الحروب والقتال في تهجيرهم وفقدانهم لوظائفهم وبيوتهم ومواردهم، وهؤلاء بمئات الآلاف ومنهم على سبيل المثال مهاجري تاورغاء وغيرهم، وكل هذا يتطلب تخصيص الأموال الضخمة من قبل الحكومة الليبية لإعادة هؤلاء وكذلك إعمار المدن والقرى التي تدمرت بسبب القتال.
 وبالتالي تتطلب المصالحة إجراء حوار وطني بين أبناء الشعب الليبي كله دون تهميش لأي طرف أو فصيل أو جهة جغرافية معينة، والتوصل إلى تأسيس ميثاق وطني ليبي شامل يرتكز على تحقيق التعايش السلمي بين جميع الليبيين في إطار الدولة الوطنية المدنية التي تساوى في الحقوق والواجبات بين الجميع بغض النظر عن أية اختلافات قبلية أو جهوية أو سياسية أو عرقية. إضافة إلى إشراك المجتمع المدني والقبائل في عملية تحقيق المصالحة.
 تحديات وعقبات 
 تواجه المصالحة الليبية العديد من العقبات التحديات وعلى رأسها استمرار وجود الميليشيات المسلحة والتي تمثل عائقاً أمام بناء الدولة الوطنية الجديدة لأنها بمثابة دويلات موازية، كما أنها تغذي الانقسام والاستقطاب السياسي والمجتمعي داخل البلاد، ونجاح المصالحة يتطلب تفكيك تلك الميليشيات ونزع أسلحتها وإعادة دمجها في المؤسسات الأمنية الوطنية الليبية، وهو ما يمثل التحدي الكبير أمام السلطة الجديدة في ظل المصالح الاقتصادية والسياسية التي تحققها تلك الميليشيات ومؤيدوها والتي تدفعها لمقاومة عملية تفكيكها.
 كذلك هناك تحدي استمرار وجود المرتزقة الأجانب في ليبيا والذين يتجاوز عددهم أكثر من 20 ألف شخص، تم جلبهم من مناطق مختلفة خاصة من إدلب في سوريا للقتال إلى جانب صفوف الميليشيات المسلحة، ضد الجيش الوطني الليبي، وقد دعت الأمم المتحدة وبعض القوى الكبرى إلى ضرورة خروج قوات المرتزقة من ليبيا كشرط لنجاح الحل السياسي والدعم الاقتصادي الخارجي، خاصة الأوروبي، كذلك فإن خروج المرتزقة والقوات الأجنبية يمثل شرطاً أساسياً لنجاح المصالحة الوطنية الليبية خاصة أن هؤلاء المرتزقة ارتكبوا العديد من الجرائم ضد لإنسانية بحق الشعب الليبي واستمرار وجود هؤلاء سيمثل عائقاً كبيراً أمام تحقيق المصالحة بين أبناء الشعب الليبي.
 إن عملية المصالحة الوطنية تواجه عقبات وتحديات كبيرة وتعقيدات كثيرة خاصة بعد عشر سنوات من الاقتتال والصراع والانقسام والاستقطاب بين أبناء الشعب الليبي.. وقد بدأت ليبيا تخطو بتمهل لتحقيق هذا الهدف.
*خبير العلاقات الدولية في «الأهرام»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"