رسائل الكندي الموسيقية

00:13 صباحا
قراءة دقيقتين

كان الباحث في علم الموسيقى في الماضي يعرف قدراً لا يستهان به من علم العروض ويحفظ كثيراً من الأشعار، ويُلم بالتأليف اللحني وأساسيات النغم وإيقاعه، كما كانت لدى الباحث معرفة عامة عن الملحنين ومعلومات عن المناسبة التي لُحِّنت وغُنِّيت فيها الأشعار، والأهم من ذلك، كان يتقن العزف على الآلات الموسيقية. إضافة إلى ذلك كان بعض الدارسين يدوّنون الأخبار والسير والأشعار والأغاني حتى لا تضيع من الذاكرة، لقد كان دارس الموسيقى يظهر أمام العامة بمظهر المثقف الواعي في الفنون والأدب، فتزداد مكانته بينهم.
ومن رواد علم الفلسفة والفن الذين قدموا أبحاثاً جليلة في علم الموسيقى أبو نصر محمد الفارابي الذي أصدر مؤلفات عديدة، أهمها كتاب «الموسيقى الكبير»، وأبو يوسف إسحاق الكندي التي تعد مؤلفاته الموسيقية الأقدم في التاريخ الإسلامي، كان فضلاً عن ذلك فيلسوفاً وطبيباً وعازفاً محترفاً على آلة العود.
يتناول الكندي في مؤلفاته الموسيقية الجانب الفلسفي، حيث أثرت الفلسفة الإغريقية كثيراً في تكوين فكره الموسيقى، وأثر اهتمامه بالبحث والتأليف الموسيقي على تجاربه الطبية. 
وتذكر دراسات عدة أن الكندي صاحب أول مدرسة في العلاج بالموسيقى في التاريخ الإسلامي، وأهم مؤلفاته الموسيقية «الرسالة الأولى.. خبر في صناعة التأليف»، وتناقش أنواع البناء اللحني وتأثيره في نفس المتلقي. 
أما الرسالة الثانية «رسالة المصوتات الوترية من ذات الوتر الواحد إلى ذات العشرة الأوتار» فيقسم فيها عدد الأوتار وفق طباع البشر والمبادئ العامة في الطبيعة، وتأثير النغمات وأوتارها على الإنسان والحيوان والنبات، ويركز في الرسالة الثالثة «رسالة في أجزاء خبرية في الموسيقى» على الانتقالات الإيقاعية وتأثيرها في النفس البشرية وفي الحيوان، ويربط مفهوم كل وتر من أوتار آلة العود بعلم الفلك (الأبراج الفلكية) وفصول السنة الأربعة، وتأثير كل وتر في أعضاء الجسم والحالة المزاجية. 
وجاءت الرسالة الرابعة بعنوان «مختصر الموسيقى في تأليف النغم وصنعة العود»، ويربط فيها مخارج الصوت بالأوتار، وعنون رسالته الخامسة ب«الكتاب الأعظم في التأليف».
هذه الرسائل الخمس لا توجد منها نسخة واحدة في العالم العربي. وهناك آلاف المخطوطات العربية في شتى مجالات الفنون تم إيداعها في مكتبات: إسطنبول، وفينا، وميونخ وباريس ولندن وأكسفورد ومدريد. 
ويصعب على القارئ أو الباحث أن يستوعب المصطلحات الفلسفية والرياضية والموسيقية والفلكية المتداولة في مؤلفات الكندي إن لم يكن هناك شرح مستفيض لها. ولعلها دعوة للعاملين في المؤسسات الثقافية والفنية في العالم العربي إلى إعادة دراسة مؤلفات الكندي الموسيقية بلغة سهلة حتى تعم الفائدة وتكون إضافة معرفية للجميع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

حصلت د.نورة على الدكتوراه في الدراسات الخليجية من معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة .وماجستر في دراسات شرق أوسيطية بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية. ودبلوم خبيرة التسامح الدولي من كلية محمد بن راشد. ومن إصدارات الدكتورة: كتاب بعنوان "العلاقات بين الإمارات والسعودية"؛ حاز هذا الكتاب على جائزة العويس للإبداع في 19 أبريل 2017 عن فئة أفضل كتاب نشرته مؤلفة إماراتية. تعمل في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية وجامعة زايد وجامعة أبوظبي. لها العديد من المنشورات، كتاباتها تنحصر حول الفنون والثقافة. تعمل حاليًا على كتاب بعنوان "تأثير الموسيقى في حياتنا".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"