أعتقد أننا نحتاج، بين وقت وآخر، إلى قضاء بعض الوقت مع النفس، ومراجعة مسيرتنا الحياتية، وتلك القرارات التي اتخذناها، ليس للتراجع عنها، وإنما لمعرفة إن كانت قرارات صحيحة تماماً، أم أننا كنا نستطيع بمزيد من التفكير أتخاذ قرارات أكثر صحة ودقة.
وفي غمرة حياتنا اليومية المحمّلة بالهموم والواجبات الاجتماعية والأعمال، نشعر بضيق الوقت، ومعه نشعر بأسف وندم على لحظات أو أوقات قضيناها، ونعتقد أنه كان يمكن أن نحصل على الأفضل. هذا يولّد الندم والحسرة، لذا أعود للقول إن أخذنا جزءاً من يومنا وتخصيصه للهدوء النفسي والراحة، ثم التفكير وسط حالة الهدوء هذه، قد نجني منه الكثير من المكاسب.
لا تعتقد أن لا شيء يستدعي التأمل والتفكير العميق، ولا تحسب أنه ليس هناك حاجة لمحاولة التخلص من المشاعر السلبية وكل تلك الأفكار الخاطئة التي تحاصرنا، بل على العكس، نحتاج إلى حالة السكون لأنها تنظف داخل النفس، كأنها تقوم بعملية إعادة الروح المعنوية لأعلى القمة في الأداء، وهذا يعني أن تبتعد عن الآخرين، بعض الوقت، وهي ليست دعوة للاعتزال ولا الانفراد، لأن العزلة ظلام، بل قد تعتبر حالة مرضية للنفس، فالإنسان اجتماعي، لكن الذي أشير إليه هنا هو الحاجة للتوقف، وهو يشبه التوقف لالتقاط الأنفاس، فعندما تهرول وتركض تحتاج إلى هذه الوقفة التي تنظم تنفسك، وترتاح فيها بعض الوقت قبل معاودة الركض مرة ثانية. والشاعرة الأمريكية الراحلة آن سكستون، تقول: «التواصل مع الناس مهم، أعلم هذا، لكن معرفة نفسي والتواصل معها أهم في الوقت الحاضر».
وأعتقد أننا جميعاً نحتاج لمثل هذه الوقفة التي نمضيها مع النفس والروح. فلا تعتقد أنك في معزل عن مثل هذه الحاجة، الجميع يحتاج إليها، الأدباء والعلماء والمبتكرون، وكل عامل، وكل منتج، وكل مهموم، وكل ساعٍ وراكض في هذه الحياة، يحتاج إلى معرفة نفسه، يحتاج للتأمل، والتفكير بهدوء، يحتاج إلى مراجعة كل شيء مرّ به، وهل تعامل معه بشكل إيجابي، أم أنه قد أخطأ، وإن كان ارتكب خطأ أين ومتى، وكيف يصححه ويعالجه؟ هذا جميعه لن يتحقق إلا بالتريث، إلا بالسكون لفترة من الزمن، ومراجعة المهام والأعمال، ومراجعة خطواتنا وما قمنا به.
هي دعوة للتأمل، دعوة لعدم الانغماس في مهام وأعمال الحياة، للدرجة التي نصل فيها لعدم التركيز ونبتعد عن الدقة والصواب. هي دعوة للاقتراب من النفس، والهدوء والاطمئنان.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com