العيد فكرة

00:39 صباحا
قراءة دقيقتين

ما يقال في العيد كثير، إلا أن أجمله ما يرتبط باللحظة التي تسبق الإعلان عن تأكيد مقدم الفرح، ممزوجة باستعجال البشر في قضاء حوائج مظاهره من ملبس ومأكل، وكذلك الخطط التي يضعها كثر للاستجمام والسفر عبر بلدانهم أو خارج حدودها، والتي لن تتاح لكثر هذه المرة؛ بسبب فوضى الجائحة التي لا تزال تهز راحة وأمن الكثير من الدول، وأجمله كذلك ما يرتبط بساعات يعيشها أطفالنا وهم يقرأون مظاهر التغيير المهمة في أسرهم، وأثناء زياراتهم، وفي شوارع المدن التي تقود طائر الحلم عبر صورة حضارية وإنسانية راقية؛ هي نتاج فكرة شجاعة وجريئة في آن.
العيد فرحة وفكرة إذن، يمكن أن يجسّدها الشاعر في قصيدة، والأم في طبق حلو، والأب في هديته المنتقاة، والقائد في وقوفه فاتحاً أبواب القلب والعين لاستقبال رعاياه بعد صلاة لا يتكرر نداؤها إلا مرتين في السنة. كما أن العيد فكرة عن البعد لكل المرتحلين عن بيوتهم، حاملين مفاتيح الحكاية تحت قشرة السعي اليومي، وفكرة عن العزلة لأسرى جرائمهم وخطاياهم حتى يحين الفرج، وفكرة عن الحنين لمفارق موقن باستحالة اللقاء، وعن الوطن لكل من أبعده موت البشرية عن شجرة الدار.
عيدنا هذا العام على غرابته هو مدعاة للتفكر في أنفسنا قبل أي شيء، فهل تعلمنا استعادة الفرح من براثن الخبر المزيف والوجع الافتراضي؟ أو ابتكار مساراتنا للبناء والتطوير فيما يصب في مصلحة أسرنا ومجتمعاتنا؟ أو اكتشاف طرقاتنا للتحرر من ألفة الهم اليومي؛ عبر التأمل والروحانية التي أكلتها آلة الطحن الروتيني؟ العيد لا تمثل الملابس والولائم إلا قشور تجربته، فيما يظل المغزى من سنن الفرح وطقوسها الأصيلة، متوارياً تحت التنافس الهش في منصات التواصل الاجتماعي والشاشات المتلونة، طارحاً السؤال الأهم: هل نحن من الحاضرين في اللحظة، أم أننا من المغيبين اختيارياً؟
في هذا اليوم «الهدية» لنوقف الرحى الدائرة، وننصت إلى بهجة الحياة من حولنا، وإلى الأغاني بأصواتها الأصيلة، ولنفك غربته في المدن، وبدل أن نحلم بخبزه وحلواه لنفكر بالكيفية التي تصنع بها بهجة المذاق. وفي هذا اليوم لنسامح أنفسنا على ما مضى، ونحتفل بأسمائنا الحرة منذ لحظة ولادتنا، وليعد التائه إلى دياره، فما يقال في العيد كثير، لو أننا أدركنا، أنه فكرتنا الخالصة عن الولادات الجديدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"