عادي

المهاجرون.. أزمة وفرصة للاقتصاد الأمريكي

23:49 مساء
قراءة 4 دقائق
1

إعداد: بنيمين زرزور

قضايا الهجرة إلى الولايات المتحدة وتعرض قوانينها للتغيير الانتقائي، أصبحت أكثر ارتباطاً ببرامج الانتخابات التشريعية والرئاسية، بعد أن نبهت الحركات الشعبوية والجماعات المتطرفة إلى الخطر المتوهم على الوظائف خاصة في ظل تعرض اقتصادات العالم ومنها الاقتصاد الأمريكي، إلى الركود نتيجة تفشي كورونا.

على الرغم من أن تجاذبات السياسة فرضت نفسها على قوانين الهجرة في ظل إدارة ترامب التي كان عداؤها للمهاجرين معلناً وتمت ترجمته إلى عدد من القرارات التنفيذية العاجلة والقيود المادية كما في الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك، فإن البحث المعمق في تشعبات قوانين الهجرة ودور المهاجرين في بناء الحضارة الأمريكية خاصة والغربية عامة، يكشف عن أهمية المرونة في قوانين الهجرة؛ بل والتشجيع عليها، وهو الموقف الذي يتبناه الحزب الديمقراطي عموماً.
 ومعلوم أن بايدن قدم مشروع قانون للكونجرس؛ يهدف إلى فتح الطريق أمام الحالمين للحصول على الجنسية الأمريكية قد يطال أحد عشر مليون مهاجر غير شرعي يتواجدون على الأراضي الأمريكية. ويتخذ الرئيس الجديد موقفاً مناهضاً للجدار الفاصل مع المكسيك؛ حيث أوقف عمليات بنائه. إلا أن موجة المهاجرين المتزايدة عند الحدود الجنوبية؛ أدت إلى تعثر جهوده لحل ملف الهجرة، وسببت أزمة حقيقية داخل البيت الأبيض. وقد تعهد بايدن بالتراجع عن سياسات سلفه ترامب المتشددة ومنها الفصل بين الآباء وأطفالهم عند الحدود، وأصدر أمراً تنفيذياً لجمع شمل الأطفال بآبائهم وأمهاتهم. 
 وكانت إدارة ترامب قد حدّت بشكل سريع من تدفق المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وحالت دون قدوم العديد من الناس سعياً وراء الدراسة والعمل والبحث عن ملجأ. ولعل أبرز خطوات ترامب كانت في إلغاء قانون لم الشمل الذي يكفل عيش الأطفال مع ذويهم من المقيمين غير الشرعيين، كما وضع سلسلة من العقبات أمام المهاجرين الذين يحاولون طلب اللجوء في الولايات المتحدة.
 نظام جديد للهجرة
 لكن الرئيس بايدن حدد مجموعة من الأهداف التي يعمل على تحقيقها في ما يخص المهاجرين تتمثل في اتخاذ الإجراءات العاجلة لتغيير سياسات ترامب 
وتحديث نظام الهجرة في أمريكا والترحيب بالمهاجرين في المجتمع الأمريكي وإعادة تأكيد التزام أمريكا تجاه طالبي اللجوء ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية.
 وفي هذا السياق تعمل نائبة الرئيس كاميلا هاريس المكلفة بملف الهجرة على معالجة المشكلة في الحدود الجنوبية للولايات المتحدة من خلال معالجة دوافع الهجرة لدى شعوب أمريكا الجنوبية؛ حيث أعلنت مؤخراً عن تقديم مساعدات للمزارعين في المكسيك. واعتبرت هاريس التغيّر المناخي أحد أسباب ارتفاع أعداد المهاجرين؛ نظراً للظروف المناخية القاسية التي تعصف بالزراعة في أمريكا الوسطى، وأبرزها الجفاف. وقالت هاريس: «المشكلة لا ترتبط بالدمار الاقتصادي وما يتعين علينا القيام به للمساعدة في التنمية الاقتصادية والإغاثة فقط؛ بل نحن أمام شعوب تعاني الجوع الشديد وأمنها الغذائي مهدد».
 ويشكل المهاجرون ما يقرب من 14 في المئة من سكان الولايات المتحدة، أو أكثر من 44 مليون شخص من إجمالي نحو 327 مليوناً، وفقاً لمكتب الإحصاء المركزي الأمريكي. كما يشكل المهاجرون وأطفالهم الذين ولدوا في الولايات المتحدة معاً نحو 28 في المئة من سكان الولايات المتحدة، مقارنة مع 10 ملايين مهاجر عام 1970.
 وتضخ المكسيك العدد الأكبر من المهاجرين الذين تصل نسبتهم إلى 25% من إجمالي حركة الهجرة إلى الولايات المتحدة، يليهم المهاجرون من جنوب شرق آسيا.
 ويعيش أكثر من نصف المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة منذ أكثر من عشر سنوات، ووفقاً لإحصاءات مركز «بيو» للأبحاث، فإن ما يقرب من الثلث هم آباء لأطفال ولدوا في الولايات المتحدة. 
 فوائد الهجرة
ولا يعارض معظم الأمريكيين وجود المهاجرين بينهم ويطالبون بتسهيل تدفقهم إلى البلاد، وهناك ما يبرر مثل هذا الموقف العام في بلد يعتمد اقتصاده على العمالة الماهرة التي يشكل المهاجرون معينها الذي لا ينضب. 
وقد كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «جالوب» عام 2019 أن 76 في المئة من الأمريكيين يعدون الهجرة أمراً جيداً للولايات المتحدة. كما أن نسبة 81 في المئة تؤيد فكرة توفير الطرق التي تسهل الحصول على الجنسية للمهاجرين غير المسجلين إذا استوفوا الشروط المطلوبة.
 وقد شكلت قضية دعم المهاجرين أحد أهم محاور تنافس مرشحي الحزب الديمقراطي للترشيح للمنافسة على منصب الرئيس خلال دورة عام 2020. وكان ظاهراً جداً إجماع زعامات الحزب على رفض سياسات ترامب والدعوة إلى تغييرها. وهذا ما يعمل الرئيس الجديد على تنفيذه وفقاً لأجندة الحزب الذي يعد تاريخياً نصير الطبقة الارستقراطية التي تهيمن على القطاعات الاقتصادية الأهم، والتي يشكل المهاجرون من مختلف شرائحهم العمود الفقري في استمرارية حركتها.
 وعلى الرغم من أن الخطاب الإعلامي للحزب الديمقراطي والبيت الأبيض يركز على الجانب الإنساني في قضايا اللاجئين؛ حيث كان أحدث قرارات بايدن الموافقة على استقبال ما يزيد على 62 ألف لاجئ، إلا أن الخطط الاسراتيجية في رسم سياسات الهجرة تأخذ في الاعتبار دور الكفاءات والمواهب في خدمة الشركات الأمريكية التي تغذي قوائم موظفيها باستمرار من أفضل العناصر الطلابية في الجامعات الأمريكية وهم من خارج الولايات المتحدة في أغلبهم.
 اقتناص الأدمغة
 وفي إطار التنافس مع الصين الذي يتخذ طابعاً تقنياً في الأغلب، تجد إدارة بايدن نفسها في مواجهة مباشرة مع بكين؛ لقنص الأدمغة خاصة وأنها تدرك أن المهاجرين يتصدرون قائمة مؤسسي الشركات التقنية الناشئة في وادي السيليكون؛ حيث أسهم المهاجرون في تأسيس ما يقرب من نصف الشركات الناشئة هناك - بما في ذلك جوجل وتيسلا. ومن اللافت للنظر أن 58 في المئة من المقيمين في الولايات المتحدة الحاصلين على درجة الدكتوراه في علوم الكمبيوتر ولدوا في الخارج، و6 من كل 10 خبراء تقنية من ذوي المهارات العالية في وادي السيليكون هم من المهاجرين.
 ويدرك بايدن السياسي المخضرم، أهمية هذه الأرقام أكثر من غيره ومن الطبيعي أن يتعاطف مع المهاجرين وأن تتصدر قضاياهم قائمة اهتماماته؛ لأن في نصرتهم ضمان لتحقيق عدة أهداف في آن واحد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"