أمل العيد

00:55 صباحا
قراءة دقيقتين

بين أشياء كثيرة عزيزة سلبها منا «كورونا»، أو فلنقل حدّ منها إلى أقصى الحدود، التجمعات العائلية الواسعة، بكل ما فيها من دفء وألفة ومحبة وتدفق في المشاعر. وغالباً ما تكون أعيادنا، كعيد الفطر المبارك الذي يحل اليوم، مناسبة لمثل هذه التجمعات العائلية، التي هي فرصة للتعبير عن قوة الوشائج التي تشدّنا إلى من نحب من أهل وأحبة، فما من مناسبة اجتماعية وعائلية كالعيد تتكثف فيها مشاعر الناس فيما يشبه البؤرة التي تطلق أو تبعث إشعاعاتها تجاه الأهل والأحبة والأعزاء، تجاه كل من نود ونأنس إلى روحه.
بسبب ظروف الجائحة، التي ما انفكت، رغم كل التدابير، تعيد إنتاج نفسها بصور شتى، بات محبذاً، لا بل مطلوباً تفادي مثل هذه التجمعات، حماية لمن نحب ولأنفسنا من خطر الفيروس  الذي يبدو كمن يتربص بنا في مناسبة غالية على قلوبنا مثل هذه.
ليس هذا العيد هو الأول الذي يمر علينا منذ أن اجتاح الوباء العالم، فقد مرّ عيدان آخران على الأقل قبله، كما أنها ليست السنة الأولى التي يأتينا فيها العيد، وأحوال الكثير من بلداننا ليست على ما يرام، فنردد ما ردده المتنبي في زمنه: «عيد بأية حال عدت يا عيد»، ولكننا نظل محكومين بالأمل والرجاء في أن العيد الذي يليه سيأتي بأمر فيه تجديد، من التجديد الذي نطمح إليه، ونحوه نسعى.
ذات عيد قلنا إن النفس قد تخلق أعيادها الخاصة بها من دون انتظار موعد العيد كمناسبة جماعية هي ملك للجميع، ولكن الحياة قد تذهب في مشاكستها لنا حداً يجعل مثل هذه الأعياد الداخلية، اي أعياد النفس لذات صاحبها، عصيّة على المنال، فنجد في العيد الجماعي السلوى، حين نكون وسط من نحب، منهم نأخذ المحبة والحنان، وإياهم نمنحهما.
لأن الأمل هو آخر ما يموت، فنحن لا نفقد الأمل في أن الغمم، على أنواعها، ستزول، وحتى في ظروف الجائحة التي حرمتنا من متعة الاحتفاء بالعيد كما نرغب وكما اعتدنا، فإننا في أعماق نفوسنا ندرك أن ما نفعله ونحن ننأى بأنفسنا عن إحياء المناسبة بكل الطقوس الجميلة المتوارثة، هو من أجل أن تكون أعيادنا المقبلة أجمل، وأن يكون كل من نحب إلى جوارنا فيها، وأن نكون نحن أنفسنا إلى جوارهم.
في صبيحة هذا العيد ونهاره ومسائه تبقي قلوبنا وألسنتنا تلهج بالرجاء والدعاء أن تكون أعيادنا المقبلة أجمل، وأن يخبئ الغد لنا من المسرات ما ينسينا صعوبات الحاضر.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"