في انتظار جيل أكثر حكمة

00:55 صباحا
قراءة 3 دقائق

هرِمنا، أنا وأبناء وبنات جيلي. هرمنا في انتظار حلّ يعيد الحقوق للفلسطينيين، ويبعد عنا غزوات إسرائيل وتوسعها بالهيمنة، أو بغيرها. لا نعيب على الفلسطينيين انقساماتهم وهجراتهم وتخلفهم في التنظيم والتحشيد، فكلّنا، رغم جهود متفرقة ونوايا متقطعة وبرامج ورؤى تنموية وإن مبعثرة، كلّنا في هذا المضمار عرب. دخلنا جولات عدة مع الاعتداء الإسرائيلي، وخطط الاستيطان والمعارك الدبلوماسية والعسكرية وحملات الاختراق المتكررة لعلاقات دولية نجحنا في إقامتها في أقاليم الجوار وخارجها، ممثلاً أيضاً في محاولات السيطرة على مصادر معيشتنا، وبعضها أفلح. حققنا نجاحات في بعض الجولات التي دخلناها مع اعتداءات إسرائيل، وكان الفشل نصيبنا في أغلبها. وتكاد السيناريوهات في كل الجولات تتطابق.
متى وأين تبدأ، ومتى وأين تتوقف. ولم يحدث، إلا نادراً، أن خرجت شعوب في دول الإقليم إلى الشوارع لإظهار الدعم والتأييد للشعب ضحية العدوان فور وقوعه. دائماً كنا نتأخر يومين، أو ثلاثة، وفي أحيان غير قليلة لم نتحرك إلا بعد أسبوع، أو أكثر. وعادة كانت شعوب أخرى، أوروبية مثلاً، تسبقنا إلى التظاهر دعماً للفلسطينيين، أو اللبنانيين، أو السوريين، أو المصريين، ضحايا الغزو.
كاد هذا السيناريو بعينه يتكرر خلال الأيام الماضية. وتكرر بالفعل ما يشبهه، ولكن باختلافات طفيفة، نراها بوضوح لو ابتعدنا قليلاً عن الشاشة وأجرينا المقارنة بين ما كنا نفعل في المرّات السابقة، وما نفعل هذه المرة.
بعضنا أجرى المقارنة على صعيد آخر. أجراها بين ما فعلت أمريكا والمفوضية الأوروبية وبريطانيا في المرات السابقة، وما فعلت هذه المرة. سألنا أنفسنا إن كنا نتوقع من مجلس الأمن سلوكاً مختلفاً عن سلوكه في المرات السابقة.
وجاءت الإجابة بالنفي طبعاً، ولكن من دون شعور بالإحباط، ومن دون غضب. لم أسأل، ولن أسأل، إن بقي في جيلي من يتعشم خيراً في جامعة الدول العربية، إن هي بقيت.
لا شيء في عالم السياسة، وبخاصة في العلاقات الدولية، يتكرر حرفياً. يسود الاعتقاد بين كثير من المتخصصين في علاقات الشرق الأوسط وفي إسرائيل، أن الأزمة الراهنة بين المستوطنين وأهل فلسطين مثلها مثل سابقاتها لن تغير في السياسات الإقليمية قيد أنملة. لن تغيّر من سياسات الاستيطان، لن تغيّر في طبيعة الحالة الغزية في السياسة العربية، نسبة إلى غزة. لن تغيّر في أسس العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا في العلاقة مع روسيا أو الصين.
أزعم، على العكس، أنها مع نتائجها ستكون مختلفة، لأن أموراً ووقائع اختلفت. على سبيل المثال، بدت الأصوات والآراء الإسرائيلية المعارضة للحكم في إسرائيل أعنف وأكثر حدة.
لعلها «الكورونا» وقوانين الإغلاق التي تسببت بها، أو لعلها الأزمة الاقتصادية والكساد في سوق العمل. كلها، وغيرها ساهمت في تعدد مواقف الاحتجاج على التعامل الحكومي مع الأزمة، وبخاصة مع سياسة تسخين الظروف الدافعة لنشوبها على امتداد شهر رمضان حتى احتدمت. على سبيل المثال، إسرائيل وجدت نفسها خلال الأيام المئة الماضية، وربما أكثر قليلاً، في وضع استثنائي في علاقتها بواشنطن. عاشت هذه الفترة ويكاد يشلّها القلق الناتج عما بدا إهمالاً متعمداً من بايدن.
ونتنياهو في ظروفه المتوترة مع عدالة تنتظر نهاية لمراوغات لا تبدو لها نهاية، ونتنياهو الحريص دائماً على تأكيد قربه من الكونجرس الأمريكي، يجد نفسه فعلاً عاري النفوذ في عراء واشنطن الجليدي خلال شهور الشتاء. كان الظن في تل أبيب أن بايدن لن يجد بداً من اللجوء لنتنياهو لبث الحماسة في جماعات الضغط اليهودي لدعمه هو وحكومته. من ناحية أخرى، كانت تل أبيب متوجسة أكثر من مصدر للشر في واشنطن. وخرج اليسار الديمقراطي من الانتخابات عاقداً العزم على تثبيت أركانه في بعض أركان السلطة، وبخاصة في السياسة الخارجية.
ولم يكن خافياً افتقار العلاقات بين يسار الديمقراطيين ويمين نتنياهو إلى المودة المتبادلة. وربما يحاول الآن مرة ثالثة تصعيد الأزمة مع الفلسطينيين، ودفع بايدن إلى إعلان التزامات جديدة لدعم نتنياهو. وعلى سبيل المثال، بالتأكيد، أو على الأقل في أغلب الظن، لم تكن واشنطن تريد أزمة في الشرق الأوسط على هذا النمط، أو في هذا الوقت. لا شك في أن الأزمة الراهنة فاجأت أغلب الأطراف.
ولم تستعد معظم الدول المرتبطة بالأزمة، ولا الأمم المتحدة أو الجامعة العربية، باتخاذ إجراءات تتناسب والظروف المتغيرة في السياسة الدولية، وإجراءات تتناسب وأحوال شعوب منهكة بالوباء، أو سوء الإدارة. وما زلنا في انتظار أن يسكن الغبار ودخان القنابل وأصوات الصواريخ لنتعرف معاً، شعوباً وحكومات، إلى حجم ما أصابنا من خسائر أخشى أن تتراكم تداعياتها في الأيام والشهور القادمة. نعم ما زلنا أنا وجيلي في الانتظار لنتعرف إلى حجم ما جنينا على امتداد هذا الصراع من مكاسب، مكاسب أخجل من ذكرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي مصري سابق وكاتب متخصص بقضايا العلاقات الدولية. اشترك في تأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام. وأنشأ في القاهرة المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل. عضو في مجلس تحرير جريدة الشروق المصرية ومشرف على صفحة الرأي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"