نحو أحضان كابوس لعين

00:49 صباحا
قراءة 4 دقائق

شيء حولنا يشي بأيام، وربما سنوات وعقود تسود فيها غلبة العنف وعدم الاستقرار، والحاجة إلى التسلح أو زيادته، شيء ينفرنا من العمل مع مجموعة أشقائنا العرب ويدفعنا، لنتعود على العيش ضمن خريطة جديدة. هذه الخريطة جرى رسمها وتلوينها خلال سنوات الإعداد للنكبة الثانية، وهي الحرب الإسرائيلية السابعة أو الثامنة ضد جيرانها العرب. يطلقون على هذه الحرب عناوين متعددة، تارة هي الحرب الإقليمية التي ما فتئ يبشر بها ويحذر من نشوبها الطرف الأمريكي، وتارة هي من تتمات النكبة الثانية، وتارة هي أولى حروب مسيرة الشرق الأوسط الجديد، وتارة هي البداية المنطقية الأخرى لحرب عالمية ثالثة، حرب يتحدث عنها، أو يتوقعها البولنديون، وآخرون في أوروبا الملتهبة بالقلق.

يحسب لهذا الشيء غير الملموس، وغير المدروس، وغير الواضح تماماً، يحسب له أو يحسب عليه، أنه يرمي بنا إلى أحضان كابوس لعين، بعد أن راح ينتزعنا من أحضان حلم لذيذ. مطلوب منّا أن نفكر في «ما بعد»، واختاروا له تعبير «اليوم التالي». هذا الطلب فيه ظلم وإجحاف، وربما سوء نية. يطلبون من طرف لم يشارك في صنع النكبة أن يشارك في تكريس نتائجها وفي حمايتها. المدهش في الأمر أن الطلب لم يوجه إلى المنظمة الإقليمية المكلفة منذ يوم ولادتها بقضية فلسطين أرضاً وشعباً، إنما وجه إلى دولتين جارتين لفلسطين، هما الدولتان الوحيدتان بين دول هذا الجوار اللتان احتفظتا بقدر عال من الاستقرار السياسي ووحدة أراضي كل منهما.
إلا أنه وإن كان ولا بد من الاستجابة لطلب ممن أطلق على نفسه عسفاً وأمراً واقعاً صفة «الوسيط»، وهو فاعل مؤسس مشارك في تحقيق النكبة، فقد يكون من واجب الحيطة الاستمرار في التعامل معه على هذا الأساس، وليس بصفته وسيطاً محايداً. ليس معنى أن يتقدم في مجلس الأمن بمشروع قرار يحمل سمة الاعتدال في الموقف، أو أن يمتنع عن استخدام حق النقض ضد مشروع قرار معتدل استنفد قوته، بل وصلاحيته حتى قبل أن يصدر.
في مثل هذا الوضع يجدر بالأطراف المكلفة أو المرشحة لأدوار تفرض فرضاً، أن تتريث في القبول، حتى وإن كان الوضع على الأرض غير محتمل وغير إنساني. نعرف ويعرفون من وقائع النكبة الأولى ونتائجها أن كلفة التعامل مع هذه النتائج كانت باهظة. ولن تكون كلفة التعامل مع نتائج النكبة الثانية أقل من كلفة النكبة الأولى سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً. إذا دخلناها مُسيرين وإن بزعم أننا مخيرون، فلن نحصد إلا خراب الديار والخضوع الكامل لهيمنة من لم ولن يرحم، كنّا شهوداً ولا نزال حتى لحظتنا الراهنة.

ضروري أن يكون معلوماً للشعب المصري، أننا حتى وإن قبلنا فلن نذهب في طرق جربناها وتلقينا فيها دروساً مرة، لن نكررها. نذهب في الاتجاه السليم، مسلحين بثوابت التاريخ وأولها قدسية علاقاتنا الاستراتيجية بمشرق آمن ومطمئن.
يعرف المسؤولون هنا وهناك، ونعرف كم عانينا في مصر نتيجة احتلال العراق وسرقته وفرض العقوبات عليه، وتمزيق سوريا وإخضاعها لهجمات من كل نوع مهين ومذل، وحبس الفلسطينيين وتشتيتهم بين جزأين لا يلتقيان ولا يتلامسان..
ضروري أن نحصن مفاوضينا بدرع جديدة تقيهم شرور وتحايلات الطرف أو الأطراف الأخرى، أما الدرع فهي ما تحقق لصالحنا كمصريين وفلسطينيين وآخرين من دعم وتفهم في الرأي العالمي. لم يحدث، حسب ما أذكر، أن وصلت أكرم وأصدق رسائلنا إلى مختلف الشعوب. فلنذهب، إن أجبرنا على الذهاب أو اخترناه، مسلحين بمذكرة دولة جنوب إفريقيا وقرارات محكمة العدل الدولية. المقاومة الوطنية ضد الأجنبي المحتل والمستوطن، تبعث من جديد. حالة جديدة من الزهو عادت إلى النفس العربية والآسيوية. هناك في آسيا كما نقل، صحوة.
ضروري أن نذهب، إن قررنا الذهاب، مزودين بضعف الجانب الآخر، وأقصد جماعة اليهود المضطربة داخل إسرائيل وفي العالم الخارجي، وبخاصة في الولايات المتحدة. يجب ألا نستهين بعمق الانقسام اليهودي، ربما غير المسبوق. نذهب ورؤوسنا مرفوعة بفضل أداء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، وبرغم هزال الأداء الرسمي الجماعي العربي. نتذكر ونحن هناك في معمعة السياسة والدبلوماسية أن نصر إسرائيل لم يتحقق فرجاء عدم معاملة وفد إسرائيل كالمنتصر، ونصر الفلسطينيين لم يكتمل فرجاء ساعدوا على اكتماله.
أفترض الشفافية في المفاوضات إن جرت. ليت دبلوماسيينا من المفاوضين يحملون معهم فيديوهات صورت آلام وجوع وجراح أهل غزة وأهل الضفة، فنادراً ما اطلع الرأي العام على تفاصيل ما حدث ويحدث في معسكرات اللاجئين في الضفة.
أرجو وأتمنى أن تتفادى وفود العرب المنتقاة تنفيذ رغبة الطرف الخصم، التعهد بإطفاء حماسة الشعوب العربية. هذه الحماسة كنز ليس فقط لشعب فلسطين، ولكن لكل العرب، هي ضرورة وطريقهم لنهضة جديدة، وهي فرصة لتقديم دليل جديد على خروج العرب من قوقعة التجاهل والإنكار، فرصة قد لا تتكرر قبل مرور عقد أو عقدين.
القرار باستبعاد فلسطين كدولة مستقلة قرار إسرائيلي متخذ بالفعل، وما كانت حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة سوى صفحة مدروسة من صفحات الملف الإسرائيلي، صفحة مقررة على النخبة الحاكمة في إسرائيل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/epacbtz3

عن الكاتب

دبلوماسي مصري سابق وكاتب متخصص بقضايا العلاقات الدولية. اشترك في تأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام. وأنشأ في القاهرة المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل. عضو في مجلس تحرير جريدة الشروق المصرية ومشرف على صفحة الرأي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"