وإنا إليه راجعون

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

الأخ هو رفيق الطفولة والصبا والشباب وبقية العمر. هو الظهر والسند بعد الأب. هو الأمان والحصن الواقي. هو رائحة الوالدين وقرة العينين. هو الصاحب في كل محطة، والخليل في كل درب، ومستودع السر وينبوع الفرح.
لا يمكن لأخ أن يفكر ولو لوهلة عابرة، أنه قد يرثي أخاه يوماً، أو أنه قد يتلقى التعازي في وفاته ويمشي خلف نعشه قبل مواراته الثرى، أو يصلي وراء جنازة يقال له إنها لأخيه بعد أن يفقد قدرته على تصديق الواقع واعتبار كل ما يعيشه كابوساً سيصحو منه ليجد أخاه يربت على كتفه ويقول له: لا عليك كان كل ذلك وهماً وأنا هنا إلى جانبك.
اليوم هو اليوم العاشر على رحيل أخي وقرة عيني وحبيبي «أبي سعيد»، ومازلت لا أصدق أنني لن أراه مجدداً يجلس في مكانه المعتاد قرب الباب وكأنه يقول:«سأكون أول الراحلين لذا اخترت مكاني هنا».
يدخل غرفة المعيشة فيتحدث بإسهاب، تارة يضحك ويمزح وتارة يشكو ضيق الحال مع كل ضائقة يتعرض لها، وما أكثر ما عاشه من ضوائق، وما عاناه من هموم، وما يلبث أن يغير الموضوع لأنه يكره أن يصاب أحدنا بقلق لأجله.
يشرك الكبير والصغير في أحاديثه، فأحبه الجميع. لم نسمعه ناقماً على أحد ولا مغتاباً ولا حاقداً على أحد.
يتحدث بهدوء كما لو أنه يكره الصوت العالي، فلم يجادل ولم يرد إساءة الغريب ولا القريب. يتخذ موقف المستمع حتى عندما يكون مظلوماً، فلا يرد على إساءة ولا يخاصم أو يستمر في قطيعة، إذ كان المبادر الأول دائماً بعد كل سوء تفاهم كان هو فيه الأخفض صوتاً والأكثر حلماً.
كيف استطعت الرحيل وأنت الذي لم تكن أخاً عادياً؟ كنت مستودع السر دائماً، والحبيب الذي يسعى لامتصاص الهم والغم والحزن من قلوبنا حتى وإن كنت تعتصر هماً وغماً، فكيف رحلت وتركتنا نعاني حسرات فقدك من غير أن تمد يديك إلينا لتمسح دمعة هنا وتجبر صدع قلب هناك؟ رحلت من غير أن تودعنا، من غير أن نراك بسبب ما ألم بك من مرض لم نعرف عنه؛ لأنك آثرت إخفاءه عنا، كما كل المشكلات التي صادفتك، كي لا نحمل هماً ولا نقلق فبقيت حسرة سماع صوتك للمرة الأخيرة في أرواحنا لا تزول.
رحلت عنا وتركت أمك تغفو وتصحو على دموعها وأنت الحنون الذي يكره رؤية الدموع في أعيننا. رحلت قبل أن ترى حفيدك الأول وتركت سوسنتيك قبل رؤية طفليهما.
رحلت قبل أن ينصفك القدر بسعادة أو راحة، وكأنك تريد أن تقول:«أنا لست ابن هذه الحياة يخبئ الله لي ما هو أجمل فوداعاً».
رحمك الله يا «أبا سعيد» وأسكنك فسيح جناته وأعاننا على مواصلة حياة أنت تنقصها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"