بين السلحفاة واللبؤة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

يحاول بعضنا جاهداً العيش في سلام، بعيداً عن الركض اليومي وهوس الانشغال وتعقيدات العصر، بينما نجد بعضنا الآخر ينهمك في سرعته وجريه، كأنه يعيش بين عقربي الدقائق والثواني.

في الحياة ما يكفي من الصعاب والمتاعب، فلماذا نسعى إلى مضاعفتها، بكثرة خوفنا من الغد، وعدم عيش اللحظة التي تتطلب تمعناً وشكراً وابتسامة بسيطة.

استمعت ذات مرة إلى شريط مصور كان يقارن بين حياة السلحفاة واللبؤة؛ إذ تعيش السلحفاة 100 عام، بينما اللبؤة تعيش ما متوسطه 12 عاماً فقط. وجميعنا يعرف الفرق بين السلحفاة والأسد، من حيث نمط الحياة وطبيعة كل حيوان.

بعضنا كالسلحفاة، يأكل ببطء، ويمشي ببطء، ويسوق سيارته بتأنٍ، وكأنه لا يلتفت للوقت أبداً، ولا يعرف معنى السرعة، بينما يعيش آخرون كاللبؤة، حياتهم عبارة عن مطاردة مع الزمن، يأكل وكأنه مجرد أداء واجب يجب الانتهاء منه بأسرع وقت، في الشارع يسوق سيارته وكأنه في سباق سرعة لا يرغب في خسارته، حتى استحمامه وكلامه وكل تحركاته يؤديها كالإنسان الآلي بدون استشعار متعتها، لينتهي منها كما يجب، من غير استشعار اللحظة أو التفكير فيها.

هذا الروتين السريع في الحياة يمنعنا من التمعن في النعم التي من حولنا، وتلك التي نعيشها، فالوجبة لا يمكن اكتمالها من غير الإحساس بطعم مكوناتها واستنشاق رائحتها، حتى أن ذلك أفضل صحياً كما يوصي الأطباء.

والاستحمام من الممكن أن يكون علاجاً روحياً، حين تسترخي في حمامك، مستشعراً لذة الماء الدافئ في البرد، وروائح مستحضرات التنظيف الشخصية.

والسياقة من الممكن أن تكون فرصة للاستماع إلى كتاب أدبي أو علمي أو الانصات لتلاوة القرآن ، وحتى لتأمل الطريق من غير التفكير بأي شيء سوى استكشاف طريق يومي لم ننتبه لتفاصيله، والأمثلة كثيرة على نعم استشعار ما حولنا وما نعيشه بهدوء، بعيداً عن الركض اليومي الذي فرضه علينا العصر التكنولوجي السريع. وهذه المتعة وهذا التروي لا يعني أبداً التخلف أو عدم النجاح، بل ربما يكون أكثر جدوى وأعظم فائدة.

سئل أحدهم عن أكثر ما ندم عليه في حياته وهو في عمر التسعين فقال: إنني لم أقضِ وقتاً كافياً مع نفسي، ولم أستمتع بصوت الطيور خلف نافذتي، أو أنتبه لتفاصيل حياة طفلي وهو يكبر، حتى غابت عن ذاكرتي كل جمالية المرة الأولى لكل شيء لطيف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/msrv7wus

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"