الخرف الرقمي

23:19 مساء
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

أكبر مخاوف صحية لدى الأشخاص فوق سن الخمسين هو مرض الزهايمر، وما يترتب عليه من فقدان للذاكرة. ولأن الخبراء لا يعرفون ما يتسبب في إتلاف مناطق الذاكرة في الدماغ، يسهل على البعض إلقاء اللوم على الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، وأنها تتسبب بالضرر للذاكرة لأنها تجعلها أكثر خمولاً وكسلاً.

وأصبح من الشائع جداً في المجتمع الحديث قراءة تحذيرات من خطورة التكنولوجيا على الدماغ، وأن هناك المزيد من الشباب يظهرون علامات خلل في الذاكرة نتيجة إدمانهم عليها، وقد أطلق عالم الأعصاب الألماني مانفريد سبيتز مصطلح «الخرف الرقمي» واصفاً به حالة انهيار القدرات المعرفية التي يؤدي إليها الإفراط في استخدام التكنولوجيا الرقمية، وبنفس الطريقة التي تصيب الأشخاص الذين عانوا إصابة في الرأس أو مرضاً نفسياً.

إن خسارة الذاكرة في الواقع، شأن لا يمكن التغاضي عنه، فهي التي تجعلنا في ما نحن عليه، وقدرتنا على التفكير في الماضي ومشاركته أمر أساسي لإحساسنا بالهوية وعلاقاتنا بالآخرين وتخيل المستقبل، وفقدان أي جزء من هذه القدرة لا يسبب مشاكل في الروتين اليومي لأي منا فحسب؛ بل يهدد فكرة من نحن؟ ولماذا نعيش؟.

وفي حين أنه قد يكون صحيحاً أن التكنولوجيا تغير طريقة استخدامنا للذاكرة، لا يوجد سبب علمي لتأكيد أنها تقلل من القدرة الكامنة في أدمغتنا على التعلم أو التذكر، كما أن هناك أمراضاً مختلفة أو إصابات يمكن أن تصيب الجسد أو الدماغ وتؤدي إلى إضعاف قدرة الذاكرة على الاحتفاظ بالمعلومات أو استرجاعها.

أما الأمر الذي قد يجهله البعض فهو أن القلق بشأن الذاكرة ليس حكراً على جيل ما بعد التقاعد؛ بل يعيش الشباب قلقاً أكبر وأكثر من المتوقع؛ لأنهم يخشون أن لا يعودوا قادرين على استعادة ذكرياتهم لأي سبب، وهو ما يجعلهم يعمدون إلى التصوير بهواتفهم في كل لحظة وحين، وليس لأنهم مغرمون بالتصوير كنوع من التباهي أو قلة الوعي.

واندفع العلماء لإجراء دراسات تتعلق بالذاكرة، ومدى ارتباط قدراتها بالتكنولوجيا، منها دراسة أظهرت أن من يقومون بتسجيل الأحداث في هواتفهم الذكية هم الأقل قدرة على تذكر تلك الأحداث من الذين انغمسوا فيها وعاشوا التجربة بتفاصيلها، ودراسة أخرى تقول إن التقاط الصور يساعد الناس على تذكر ما رأوه، لكنه يمنعهم من تذكر ما قيل. وتبين دراسة ثالثة أن العامل الأساسي في حث الذاكرة على تذكر هذه المواقف هو الانتباه، فالتقاط الصور هو ما يشتت انتباه الشخص وبعده عن الوجود في قلب التجربة، وليس علاقته بالتكنولوجيا.

وأخيراً، يؤكد العلماء أن النسيان يحدث بسبب شدة الإرهاق، أو عدم الانتباه أو محاولة القيام بأشياء مختلفة في وقت واحد، وهي أمور يمكن تجاوزها من خلال تحرير عقولنا من الضغط باستخدام التكنولوجيا في تسهيل تدوين ما نفكر فيه أو البحث عما نريد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"