الإنجليزية لم تعد إنجليزية

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

حديث شائق مع الأديب خليل عيلبوني حول ثراء لغتنا العربية، وتعدد الاشتقاقات فيها، والبعد الصوتي لمفرداتها حفّزني على الوقفة التالية مع موضوع اللغة، خاصة أن حديثنا تناول أيضاً ما تواجهه لغتنا من تحديات؛ كونها لم تعد مادة أساسية في كثير من مدارسنا ومعاهدنا، حيث حلت محلها الإنجليزية في المقام الأول، في أنظمة التعليم، وينشأ جيل جديد من الأبناء والأحفاد ممن لا يتكلمون لغتهم الأم، أو لا يُحسنون نطقها، ولا يستطيعون التعبير عن أفكارهم بها.
تصادف هذا الحديث مع اطلاعي على منشور للصحفي البحريني غسان الشهابي يعقد فيه مقارنة بين ما درسه أبناء جيله في المدرسة في عقدي السبعينات والثمانينات، وبين ما يدرسه تلاميذ اليوم، مشيراً إلى أن أبناء ذلك الجيل درسوا في الثانوية، كتاب «فارس بني حمدان» لعلي الجارم، و«على هامش السيرة» لطه حسين على سبيل المثال ليس إلا، ليعبر عن إشفاقه «على طلبة اليوم وعلى اللغة العربية التي باتوا يرونها أشبه باللاتينية القديمة التي لم تكن تُتلى إلا من قبل الباباوات»، ويترافق هذا «مع ضخ إعلامي غربي غزير الإشعاع لا يمكن الوقوف إزاءه بأجهزة إعلامنا المهلهلة».
كتاب لباحث فرنسي أصدرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تسعينات القرن الماضي، جعل اللغة العربية واحدة من اللغات التي سيُقدّر لها البقاء بعد قرن، إضافة إلى اللغات التالية: الصينية، الهندية، الروسية، الإسبانية، الإندونيسية، البرتغالية، البنغالية، الفرنسية، اليابانية والألمانية، أما الإنجليزية فإن لها حساباً آخر سنأتي عليه أدناه.
المعيار الذي اعتمده الباحث ليقرر بقاء هذه اللغات دون سواها هو عدد الناطقين بها، فكل لغة منها يتكلمها أكثر من مئة مليون شخص، معولاً على أن هذا العدد الكبير من الناطقين بهذه اللغات قمين ببقائها، لكن ما نعيشه اليوم يظهر أن عدد الناطقين باللغة مهما كثر، قد لا يكون كافياً وحده للحفاظ على بقاء أي لغة، إن انزوت الأمة التي تتكلم بها وتكتب، إلى هامش الحضارة، وأقصت نفسها عن التأثير في مجرياتها. 
وإذا ما استمرت أحوالنا على ما هي عليه، فإننا سنكون  لا قدر الله  في عداد الأمم المهددة في بقاء لغتها.
قلنا إن الإنجليزية لها حساب آخر، ذلك أنها فرضت نفسها بالفعل كلغة ناقلة. وهي ليست لغة البلاط الملكي البريطاني؛ لأن الإنجليزية البريطانية تراجع استخدامها كثيراً لصالح ما وصفه الباحث نفسه ب«الإنجليزية الدولية» التي انتشرت منذ التوسع الاستعماري واستقلال أمريكا، لتحل محل لغات أخرى مهمة، بينها لغتنا التي نرجو ألا يحل يوم نؤبِّنها فيه.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"