عادي
تحقق ضبط النفس والتأقلم مع الآخرين وفهم مشاعرهم

تنمية الذكاء العاطفي للأبناء مسؤولية الأسرة والمدرسة

01:11 صباحا
قراءة 6 دقائق
التعاطف ضروري لبناء علاقات صحية وسعيدة مع العائلة

تحقيق: إيمان سرور
أسباب عدة تجعل الآباء والمعلمين يفكرون في تعليم الأبناء التعاطف وتنمية الذكاء العاطفي؛ والتعاطف هو القدرة على التمكن من التأقلم مع شخص آخر، وفهم مشاعره وعواطفه، والقدرة على تحكم الشخص بعواطفه، وممارسة ضبط النفس.

أكد تربويون أن التعاطف ضروري؛ لبناء علاقات صحية وسعيدة مع العائلة والأصدقاء، وللقيام بعمل جيد في الوظيفة، سواء في المدرسة أو مقر العمل، ويمكن أن يشكل تعليم التعاطف أساساً مهماً؛ لمنع العنف في المدارس.

يعترف خبراء تربويون، بأن المدارس أحياناً تكون مصدر خوف، وتشكل ضغوطاً سلبية وروتيناً مملاً، وقد يظهر فيها العنف والقسوة والجفاف، إلا أن كل ذلك يمكن التغلب عليه بسهولة ويسر مع الذكاء العاطفي، والحوار والاتصال بين جميع أطراف العملية التربوية والتعليمية، خاصة أن الذكاء العاطفي يشمل القدرات والمهارات في التعرف إلى المشاعر الذاتية، ومشاعر الآخرين؛ للتمكن من التحكم في الانفعالات؛ وتحفيز النفس؛ وإقامة علاقات أفضل مع الآخرين، مشيرين إلى أن البعض يعتقدون عن طريق الخطأ، أن التعاطف شيء يولد معنا، وبالتالي إما أن نمتلكه وإما ألا نمتلكه بشكل طبيعي؛ لكن في الحقيقة إن تعلم صفة التسامح، يمكن غرسها في نفوس الأبناء منذ نعومة أظفارهم.

كيف يمكن للآباء والمعلمين تشجيع الذكاء العاطفي والتعاطف لدى الأبناء؟، هذا ما سيناقشه التحقيق التالي، الذي يؤكد أن هناك بعض الطرق يمكن من خلالها للوالدين والمعلمين تجربة تعليم التعاطف وتعزيز الذكاء العاطفي في الأبناء، بعيداً عن التدليل المفرط.

مشاعر سلبية

تقول الدكتورة أمينة الماجد، مستشارة أسرية، إنه ينبغي على الوالدين التأكد من تلبية احتياجات طفلهما العاطفية، حتى يتمكن من الإحساس بمشاعر الآخرين؛ حيث يجب أولاً تلبية احتياجاته العاطفية، ليكون قادراً على الاعتماد على والديه ومقدمي الرعاية؛ لتقديم الدعم العاطفي له قبل أن يتمكن من توفيره لشخص آخر، مشيرة إلى ضرورة تعليم أطفالنا كيف يتعاملون مع المشاعر السلبية، لأنه من الطبيعي أن يعاني الأطفال والكبار المشاعر السلبية؛ مثل: الغضب والغيرة والحسد والغل؛ لكن الطفل الذي يتعلم كيفية التعامل مع هذه المشاعر بطريقة إيجابية لحل المشكلات من قبل الوالدين المتفهمين، من المرجح أن يمتلك ذكاء عاطفياً قوياً، ويتغلب على مشاعره السلبية.

وتشير الماجد، إلى أهمية تنمية جانب الذكاء العاطفي، وضرورة تتبعه، والاهتمام به في مراحل نمو الطفل؛ وذلك من خلال عدد من الممارسات المهمة التي يأتي في مقدمتها الوعي بالذات وبالآخرين، لافتة إلى أن الأطفال الصغار هم بطبيعتهم كائنات متمحورة ذاتياً، فعندما يضرب أحد الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة أحد الأشقاء أو الأصدقاء أو يسلب لعبة منه على سبيل المثال، يحتاج الوالد إلى أن يوضح للطفل أن هذا السلوك يمكن أن يضر شخصاً آخر بدنياً أو عاطفياً، ويحاول أن يقول له شيئاً مثل، «كيف سيكون شعورك إذا قام شخص ما بأخذ لعبتك منك ؟» أو «كيف سيكون شعورك إذا قام شخص ما بضربك؟» وبهذا يكون الوالد قد ساعد طفله على فهم العواطف والمشاعر، وحددها وصنفها قدر الإمكان.

سلوكات إيجابية

وتشجع ابتسام الحواني الاختصاصية الاجتماعية، الآباء والأمهات على التحدث مع أطفالهم عن السلوكات الإيجابية والسلبية، وضرب الأمثلة على السلوك الجيد والسيئ، في الحياة الحقيقية، وفي قراءة الكتب ومشاهدة التلفزيون والأفلام، وتوضيح السلوك الذي يراه الطفل أمامه؛ مثل: قيام شخص ما بضرب شخص آخر أو تصرف معه بشكل سيئ مثل التسلط أو التعنيف، وأن يعكسوا له أن هذا التصرف سلوك عدواني، وله تأثير سلبي على الآخرين، ولا يجعلهم يشعرون بالأمان تجاه أنفسهم.

وتضيف الحواني، يجب على الآباء أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم؛ ليتعلم الطفل كيفية التفاعل مع الناس، وأن يظهروا لهم كل ما يعنيه أن يكون شخصاً طيباً أو كيف يكون لطيفاً ومحباً للناس من خلال مساعدة أفراد الأسرة والجيران أو دعم الأصدقاء وغيرهم من المحتاجين وبهذا يكون قد علم الأب أو الأم طفله كيف يكون شخصاً متعاطفاً.

روح التعاون

وحول أهمية الذكاء العاطفي في المدارس، يوضح الدكتور صالح الجرمي مدرب مهارات التفكير، ومحاضر الأساليب التربوية، أن الذكاء العاطفي يؤدي دوراً مهماً ومفصلياً في حياة الإنسان؛ بل ويشكل حجر الزاوية لأي انطلاقة حياتية ناجحة على كافة المستويات، وخاصة في هذا الوقت الذي اضمحلت فيه العلاقات الاجتماعية، وتزايدت فيه المشكلات المنزلية بين الإخوة، وكذلك الشجار بين الطلاب الذي نلاحظه بشكل مستمر في المدارس، وكل ذلك بسبب ضعف هذا النوع من الذكاء، الذي عمل على تردي أساليب التواصل مع الغير، مشيراً إلى أن الفرد الذي يتمتع بالذكاء العاطفي؛ يبث روح التعاون ويشجع على الإبداع؛ لأنه يخلق جواً من الحُب والألفة والحماس والحيوية والاهتمام بمشاعر الآخرين، لافتاً إلى أن مدارسنا بحاجة إلى تناغم بين العاطفة والعقل حتى يحدث التوازن بين الشعور والفكر؛ لأن الطالب إذا أحب مدرسته ومعلمه؛ فإنه بكل تأكيد سيحب العلم والتعلم والحياة بشكل عام ما ينعكس إيجاباً على صحته، ويستوعب عقله الكم الهائل من المعلومات.

تكيّف

وحول الجوانب الأساسية للذكاء العاطفي، يقول الدكتور إبراهيم عبد الحميد، أخصائي نفسي، إن تنمية الذكاء العاطفي يساعد الطفل في كل المراحل العمرية على التكيف مع الضغوط التي قد تحيط به أو عند تعرضه للمشكلات الطبيعية للنمو، مشيراً إلى أن هناك جوانب أساسية للذكاء العاطفي؛ تتمثل في استقبال العواطف، ومعرفة كيفية التعبير عنها، إضافة إلى العمل على تحقيقها وامتلاكها من خلال تعابير الوجه أو الصوت أو أوضاع الجسم وحركاته وكذلك من خلال الألحان الموسيقية أو مضامين القصص والحكايات المختلفة وحسن التعبير عن العواطف والمقدرة على التمييز بين العواطف الحقيقية والمصطنعة وربطها بحالات عقلية محددة كالحواس، من روائح وألوان وغير ذلك.

دور المعلم

وتلعب المدرسة، ممثلة بمعلمي المراحل الدنيا، دوراً مهماً في غرس الوعي والتفكير وتنمية القدرات عند الأبناء؛ حيث يؤكد الدكتور حاتم درويش، مدير مدرسة أكاديمية ياس الخاصة، أن الحياة العاطفية الذكية والسليمة؛ تنعكس بشكل إيجابي على بيولوجية الطفل، وقدرته على التعلم؛ لأنه يفرز نسبة أقل من هرمونات الانفعال، والتي قد تؤثر بشكل سلبي في مراكز التعلم، وهنا يأتي دور معلمي الصفوف الأولى في المدارس في غرس الوعي عند الطلبة؛ من خلال إيجاد جو صفي، يشجع على التفكير والاكتشاف ويشجعهم على النقاش، واختيار الجانب المحبب لديهم، وتنمية قدرتهم على قراءة انفعالات الآخرين أثناء التعامل معهم، وأيضاً مساعدة الطفل منذ سنواته الأولى في المدرسة على توعيته بنقاط القوة ونقاط الضعف لديه في ما يتعلق بوجوده الجسماني والأكاديمي والاجتماعي.

بيئة آمنة

وتنصح هاجر الحوسني، أخصائية التربية النفسية، الآباء والأمهات وكذلك المعلمين بتعليم الطفل وتنمية ذكائه العاطفي؛ وذلك بتوفير البيئة الحياتية الآمنة والمشوقة، والحذر من استعمال القوة، والعنف والقهر مع طفلهم وعدم اللجوء إلى أسلوب يجعل الطفل يشعر بالذنب والتأنيب، لأن ذلك يؤدي إلى نوعين من النتائج السلبية؛ وهما: توتر العلاقة بين الآباء والأطفال والتأثير في ثقة الطفل بنفسه، أو نفوره من المعلم في مدرسته وبالتالي كراهيته للمدرسة وإعراضه عن الذهاب إليها إضافة إلى قتل ذكائه العاطفي وإضعافه.

حرية القرار

ويؤكد خالد بو هندي المنصوري، أخصائي اجتماعي واستشاري أسرة، ضرورة أن يسلك المعلم سلوكاً ديمقراطياً مع طلابه وينهج معهم نهجاً يجعل الطالب فيه هو محور العملية التعليمية؛ بحيث يمنحه الخيار والحرية في اتخاذ القرار في حدود معينة، فتعليم الطالب وتدريبه على حل مشكلاته واتخاذ قراراته أمران ضروريان، وكذلك إسهامه في وضع الإجراءات والقوانين وفي سير الحصة الدراسية بمراحلها المختلفة، مشيراً إلى أن كل ذلك يعمل على إكساب الطالب الروح في تحمل المسؤولية والقدرة على إبصار الصواب والخطأ بمشاعر جياشة وبعقل مفتوح، إضافة إلى تنمية الجانب الخُلُقي من خلال غرس الوازع الديني في نفس الطفل، عبر إشراك الأهل في هذه العملية التربوية من أجل زيادة وعي الطالب في هذا المضمار، واعتبار المدرسة والمجتمع كشركاء حقيقيين، وقيام المعلم بدوره في بناء بيئة صفية إيجابية لطيفة، يكون المعلم فيها هو نفسه نموذجاً للسلوك الأخلاقي الحميد.

أساليب متنوعة

وتشير جيهان حسني عبد الغفار، معلمة ومدربة مجتمعات تعلم، إلى ضرورة تفعيل برامج الذكاء العاطفي للطالب والمعلم في المدارس وتوفير البيئة الآمنة المستقرة والمهيئة للتعلم، لافتة إلى أن الطالب الذي يتمتع بذكاء عاطفي يكون أكثر قدرة على النجاح والمثابرة وتحمل المسؤولية، كذلك المعلم الواعي نجده يبدع أكثر بأساليب متنوعة ورائعة في تقديم دروسه.

ثقة بالنفس

ويقول أحمد حسن الحوسني / اختصاصي اجتماعي بمدرسة الاتحاد، إن كلمات الإطراء والتشجيع من الآباء عند قيام الطفل بسلوك حسن يمنحه الثقة بالنفس والطمأنينة، مشيراً إلى أن الأبناء كائنات عاطفية، تجذبهم الكلمة الطيبة الحانية، وتنفرهم الإهانة والتوبيخ والتقريع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"